داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

إيران ليست طرفاً في المشكلة... إنها المشكلة

لدى الأشقاء المصريين مثل شعبي يقول: «تجيبها كده... تجيلها كده... هي كده!»، والتقط النجم الكوميدي المصري سمير غانم هذا المثل وحوّله إلى فيلم من الأفلام التي أطلق عليها النقاد تسمية خاطئة هي «الأفلام التجارية»، لأن كل الأفلام السينمائية «تجارية» وليست أفلاماً «خيرية».
والآن إلى الكلام المفيد. جغرافياً: إيران إحدى دول المنطقة الممتدة من أواسط آسيا إلى غربها. وهي إحدى دول الخليج العربي، وهي على تماسٍّ مع دول الإقليم الذي يضم دول وإمارات الساحل الغربي للخليج العربي والحدود البرية المشتركة مع العراق وتركيا. وهي الدولة الوحيدة التي تسللت إلى العراق وسوريا ولبنان غرباً وإلى اليمن جنوباً. وفي هذا يقول رئيس الحكومة الإيرانية حسن روحاني في خطاب متلفز في مجلس النواب العراقي: «نحن نفتخر بعملنا في العراق وسوريا ولبنان. لماذا تفاجأتم بنفوذنا فيها؟ نفوذنا لا ينحصر في هذه الدول فقط، نحن متنفذون في كل المنطقة. عمقنا الاستراتيجي يمتد حتى شبه القارة الهندية شرقاً وعمقنا غرباً يمتد حتى البحر الأبيض المتوسط».
بهذه العجرفة والتغول والسرطنة تتعامل إيران الملالي ليس مع دول المنطقة فقط، وإنما مع العالم كله. وليس في زمن خامنئي وروحاني فقط، وإنما منذ تنصيب الخميني «إمبراطوراً» على إيران خلفاً للإمبراطور الراحل «الشاهنشاه» محمد رضا بهلوي. فقد خان الملالي عهدهم مع المعارضة الإيرانية ونكّلوا وطاردوا وأعدموا كل معارضيهم الذين تعاونوا معهم لإسقاط الحكم الملكي في طهران. بل إنهم «شرعنوا» حكم الملالي تحت لافتة: لماذا تقبلون حكم الطبقة العاملة «البروليتاريا» ولا تقبلون بحكم الملالي «المُلاتاريا»؟ على حد تعبير أول رئيس لجمهورية إيران أبو الحسن بني صدر. وأهمية هذا الكلام أن بني صدر كان على الطائرة الفرنسية نفسها التي أقلّت الخميني في عام 1979 من باريس إلى طهران.
ولا تقتصر مشكلات النظام الإيراني الحالي على الدول العربية فقط، فدول آسيا الوسطى (السوفياتية سابقاً) مثل كازاخستان وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان كلها تعاني من مشكلات النفوذ الإيراني تحت راية «الطائفية» الأمر الذي انعكس على اقتصاد هذه الدول وأمنها الداخلي ووحدة مجتمعاتها. كما أن لإيران مشكلات متزايدة مع تركيا، وخصوصاً النشاط الاقتصادي، بعد أن أصبحت جمهوريات آسيا الوسطى سوقاً مهمة للسلع التركية الأفضل والأرخص من السلع الإيرانية.
المعنى؟ المعنى أن النظام الإيراني في حرب مفتوحة مع كل جيرانه، وإن اختلفت مستوياتها ووسائلها ولغاتها. فالخليجيون، والعرب عموماً، والمسلمون وَحَّدَتهم قمم مكة المكرمة الثلاث ضد تدخلات إيران الأمنية والعسكرية والسياسية في دول هذه المنظومات الخليجية والعربية والإسلامية. لا دولة في منأى عن الخطر الإيراني والتهور العدواني براً وبحراً وجواً. إيران ينطبق عليها المثل المصري الذي بدأنا المقال به. لذلك كان من الضروري أن تتحدث هذه الدول بلغة واحدة لا تستهدف إيران كدولة، ولكنها تحذر النظام الإيراني من مغبة تحدي الإرادة الدولية وتخطي الحدود الجغرافية وتغول القدرات العسكرية المنفلتة، وفي مقدمتها الميليشيات المسلحة الضالة سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن، التي ترتبط مباشرة بفيلق القدس الإيراني وقائده قاسم سليماني. وإذا كان تحفظ دولتين أو ثلاث على البيان الختامي قد وجه رسالة خاطئة إلى طهران، فإنه لا يعني أن وحدة العالمين العربي والإسلامي التي شهدها الملأ في مكة قد تعرضت لاختراق أو ضعف. فالنفوذ الإيراني في كلٍّ من العراق ولبنان منذ أكثر من خمسة عشر عاماً صادر القرارين العراقي واللبناني، لكنه لم يستطع التأثير على القرار اليمني الذي تمثله الحكومة الشرعية في وجه المتمردين الحوثيين. ومع ذلك فإن القرار العراقي أو اللبناني الشاذ لا يمثل الشعبين العراقي واللبناني بأي شكل من الأشكال. بل يمثل النفوذ الفارسي الذي تجسده ميليشيات فيلق القدس الموالية لحكم الملالي في إيران، أما الشعبان العراقي واللبناني، ومعهما الشعبان اليمني والسوري فهم مع وحدة الموقف العربي والإسلامي ضد التمدد العدواني الإيراني، سواء عبر النفوذ السياسي أو النفوذ الميليشياوي اللذين صادرا الإرادة السياسية في العراق ولبنان وسوريا، وقسّما اليمن. ولذلك لم يكن مفاجئاً لأحد أن يسمع ما قاله رئيس جمهورية العراق الحالي عن اعتراض العراق على البيان الختامي للقمة. لكنه كان سيوقّع بأصابعه العشرة على أي بيان يشيد بـ«حكمة وعقلانية ورصانة ورقة ودماثة أخلاق وإنسانية» النظام الإيراني. فكل الحكومة العراقية والحكومات السابقة لها بعد الاحتلال الأميركي تحمل ختم «صُنع في إيران». ولا يجرؤ أي مسؤول عراقي على نفي هذه الحقيقة المطلقة التي لم يخفها رئيس حكومة النظام الإيراني روحاني بحديثه العصبي عن نفوذ بلاده في العراق وغير العراق.
وحتى نصل إلى بيت القصيد، فإن البيان الختامي للقمة كان رسالة سلام إلى إيران ولم يكن رسالة تهديد. تعهد البيان باستمرار «دعم الجهود كافة للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة وتجنيبها ويلات الحرب».
ونحن نصدق ما تقوله إيران من أنها ليست طرفاً في المشكلة. فهي المشكلة كلها.