زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

مدينة قوم عاد

حاول البعض أن يربط المدينة التي أعتقد أنها مدينة «عُبار» على أنها المدينة التي تخص قوم عاد التي ذكرت في القرآن الكريم. وكما قلت من قبل إنني غير مقتنع بأن الأدلة التي ذكرها العالم الأثري نيكولاس كلاب تشير بدليل قاطع إلى أنها مدينة «عُبار»، ولكن هنا أشير إلى ما كُتب في هذا الموضوع رغم أن الأبحاث التي تمت بالعربية في هذا الموضوع كثيرة، وهناك علماء عرب وافقوا على هذه الأبحاث وآخرون لم يعترفوا بها. ومن يعتقدون بوجود المدينة أشاروا إلى أن الآثار التي عُثر عليها في هذا الموقع تشير إلى وجود مدينة محطمة أو مدينة دُمرت تماماً؛ ولذلك أوضح البعض أن تلك المنطقة هي المدينة التي عاش فيها قوم عاد وهي مدينة إرم التي ذُكرت في القرآن الكريم؛ وذلك لأنهم وجدوا بين الحطام الأعمدة الضخمة التي أشار إليها القرآن الكريم.
وقد نشر أن هناك فرداً من الفريق الذي قام بالحفر في تلك المنطقة وهو د. زارينز رأى أن الأعمدة الضخمة تعد من العلامات المميزة لمدينة عُبار. وأضاف البعض أن مدينة إرم قد وُصفت في القرآن الكريم بأنها ذات العماد أي الأعمدة الضخمة، ويعد ذلك دليلاً على أن المدينة التي اُكتشفت في رأيهم هي مدينة إرم. وأشاروا إلى أن السجلات التاريخية أشارت إلى أن هذه المنطقة تعرضت إلى تغييرات مناخية حولتها إلى صحارٍ، وكانت من قبل من الأراضي الخضراء الخصبة، طبقاً لما أشار إليه القرآن الكريم. وأضافوا أن صور الأقمار الصناعية التي قامت وكالة «ناسا» بالتقاطها عام 1990 أظهرت وجود نظام واضح من القنوات والسدود القديمة التي استعملت في الري عن طريق قوم عاد. وتشير الدراسات التي نُشرت باللغة العربية، والتي حصلت منها على أغلب المعلومات التي كتبتها عن هذا الموضوع الشائك الخطير، إلى أنه تم تصوير مجرى لنهرين جافين قرب المساكن التي اعتقدوا أنها تخص قوم عاد. وقال أحد الباحثين: «لقد كانت المناطق التي حول مدينة مأرب خصبة جداً». ويعتقد أن المناطق الممتدة بين مأرب وحضرموت كانت كلها مزروعة كما وصفها بليني Pliny المؤرخ اليوناني القديم على أنها منطقة بها الأراضي الخضراء، وجبالها تكسوها الغابات الخضراء وتجري من تحتها الأنهار. وأضاف هذا الباحث أن هناك بعض النقوش التي عُثر عليها في المناطق الأثرية القريبة من حضرموت وتصور حيوانات مثل الأسد الذي لا يعيش في مناطق صحراوية.
ويدل على أن المنطقة كانت جنات طبقاً لما ذكره القرآن الكريم في سورة الشعراء «وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)». ويعتقد الباحثون أن سبب اندثار حضارة عاد قد يتم تفسيره بأن مدينة إرم أو عُبار قد تعرضت إلى عاصفة رملية عنيفة أدت إلى أن غطت المدينة بالكامل بطبقة كبيرة من الرمال، وصل سمكها إلى نحو 12 متراً. ورغم أن هذه الأبحاث التي استقيت منها هذه المعلومات قد نُشرت، فإنه لديّ شعور قوي، بصفتي الأثرية، أن هذه أدلة ضعيفة، التي تؤكد وجود مدينة قوم عاد؛ لأنه من الصعب أن يتم الاعتماد فقط على الكتب السماوية في محاولة تفسير مواقع الآثار.