د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

العيد وترائي الهلال

الاختلاف في ترائي هلال العيد، هل هو اختلاف ديني أم خلاف سياسي؟! ففي كل عيد من العيدين (الفطر والأضحى) تطفو على السطح أزمة ثبوت أو تعذُّر رؤية الهلال، ويصاحبها الجدل حول الطرق الممكن استخدامها في تقصي الرؤية، تصحبها حالة ارتباك وحيرة بين المواطنين، خصوصاً في البلدان التي ليست إسلامية، ولا تنظمها أي مجالس إسلامية يمكن الرجوع إليها، فيتجه أغلبهم إلى ما انتهت إليه لجان تحري الأهلّة في بلدانهم الأصلية، وإن اختلفت، فيختلفون في الغربة معها.
تحري هلال العيد واختلاف طرق الرصد، الرؤية بالعين المجردة أو بالتلسكوب، والحساب الفلكي، أو الجمع بين الرؤية والحساب، كانت دائماً محلّ نقاش عبر العصور مع تطور الوسائل.
ترائي الهلال بالعين المجردة هو ما تفعله أغلب الدول الإسلامية، ولكن المشكلة التي طفت هذا العام هي في كون مدة مكث الهلال في السماء ما بين دقيقتين و10 دقائق، وفق مختصي علوم الفلك، الأمر الذي دفع بعلماء الفلك إلى القول: لا يمكن رؤية الهلال رغم ولادته في السماء. هذا العام كان القمر يغيب بعد غروب الشمس بدقائق، ولهذا يُعتبر شرطاً أساسياً أن يختفي القمر بعد غروب الشمس.
رؤية هلال العيد بين الخلاف والاختلاف، من حيث المطلع وهل احتساب ولادة الهلال قبل الفجر أم بعده، قد تكون هي العائق خلف أي جهد لتوحيد ثبوت أو تعذر تحقق الرؤية، ولعل الخلاف بين الفقهاء والفلكيين حول موضوع الحسابات الفلكية يبقى قائماً، فيرى الفلكيون أنه «لا بدّ أن يتأخر غروب القمر عن غروب الشمس بعد الولادة، حتى يمكننا رؤيته، وبالرؤية يدخل الشهر شرعاً»، الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً، كون عمر الهلال لم يكن بالزمن الكافي بعد غروب الشمس، وكون وهج الشمس سيحجب رؤيته لقصر عمر الهلال بعد غروب الشمس، وهو عشر دقائق في أقصى مدة له هذا العام.
صحيح أن لعمر الهلال بعد غروب الشمس تأثيراً في فرصة رؤيته، ولكنه لا تُعدم تلك الفرصة، مهما كان التعليل الذي يورده الفلكيون، فتظل فرصة رؤيته بالعين أو التلسكوب موجودة، وليست صفراً أو منعدمة، وإن كانت تقترب منها، وبالتالي لا يمكن نفي شهادة الشهود، خصوصاً أن الشهادة لا تؤخذ من أي كان، بل لا بد أن تتوفر في من يشهد ملامح الصدق والنزاهة، وأن يُشهد له بالصدق، وأن يؤدي اليمين أمام المحاكم، فعملية ثبوت الرؤية ليست فقط لمجرد شهادة الشهود، بل هناك إجراءات عدلية تتخذها المحاكم للتحقق.
رؤية الهلال تفتح الباب أمام ضرورة أن يُبذَل جهد إسلامي لتحديد مراصد يمكن اعتمادها للعالم الإسلامي لتوحيدها، وثبوتها، واستخدام الوسائل الحديثة.
ففي ليبيا المنقسمة سياسياً توحد الموقف من الهلال في التعذر ثم التراجع والإعلان عن ثبوت رؤيته، كان ذلك في بيانيين منفصلين عن هيئات لحكومتين في بلد واحد، وإن كان وحّدها هذا العام الهلال، في حين شتت غيرها، ففي سوريا كان هناك عيدا فطر بتاريخين منفصلين.
بينما كان العيد هذا العام في مالي يوم الاثنين، والخميس في بنغلاديش، بينما الغالب كان بين الثلاثاء والأربعاء، مما يعبّر عن حالة من الإرباك حتى في الرؤية المجردة وليس الحساب الفلكي.
تحري وترائي الهلال وتوحيد الجهود والنتائج، تبقى خطوة مهمة، إذا تبنتها منظمة التعاون الإسلامي، لتحديد مراصد رصد يُتفق عليها، تكون معتمدة لدى العالم الإسلامي، بدلاً من حالة الاختلاف والخلاف.