د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

السودان والتخلص من الفوضى

الحراك السوداني الشعبي بدأ شعبياً عفوياً سلمياً، لإسقاط ديكتاتور السودان وربيب جماعة «الإخوان» عمر البشير، الذي احتضنهم لسنوات والذين سرعان ما تخلو عنه، عندما عرفوا أن سقوطه بات وشيكاً؛ فهذا ديدنهم.
فالبشير من كان وراء تقسيم السودان، وكان من عرّابي «الربيع العربي»، حيث جعل من السودان محطة ترانزيت لعناصر تنظيم «الإخوان»، في تنقلاتهم وحتى فرارهم.
بسقوط البشير، تولى المجلس العسكري السوداني، زمام القيادة، والذي بدأ بشخصية جدلية هو عوض بن عوف، الذي كان نائباً أول للرئيس المعزول ووزير دفاعه، وسرعان ما أعلن استقالته وتنحيه عن المنصب، بعد أقل من 48 ساعة، لصالح الفريق عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن، في إشارة منه إلى الحفاظ على تماسك المنظومة الأمنية، بعد أن تعالت أصوات تطالبه بالتنحي، باعتباره جزءاً من منظومة الرئيس المعزول، ومطالبات أخرى بإزاحة جميع رموز نظام البشير من المشهد السياسي.
تعثر المفاوضات حول الحكم الانتقالي ورفع سقف المطالب، والتعنت من كلا الطرفين، بينما تحالف «قوى الحرية والتغيير» عبّر عن غضبه حول فض الاعتصامات بالقول: «إن المجلس وضع نفسه في مواجهة الشعب السوداني»، في حين أن المجلس العسكري السوداني قال إنه مستعد للحوار، لكن بلا شروط مسبقة، بينما «قوى الحرية والتغيير»، التي تضم تجمع المهنيين وتتزعم المشهد السوداني إعلامياً ولا أحد يعلم حجمها الحقيقي شعبياً، فإن المجلس العسكري يرى أنها لا تمثل أغلبية الشارع كما تطرح نفسها، فهي قوى لا يوجد لديها تفويض أو توكيل من الشعب لها بالزعامة، أو حتى الحديث باسمه، والمجلس العسكري يقول بأنها تحاول الهيمنة على قوى الشارع، في محاولة منها لفرض رأيها وتصورها الأحادي، دون أن تشرك معها باقي القوى السياسية؛ مما يجعلها بمثابة مشروع قوى استبدادية جديدة، إذا استمرت بنهجها هذا.
القوى السياسية في الشارع السوداني كثيرة، منها تجمع المهنيين السودانيين، وتحالف قوى الإجماع الوطني، ونداء السودان، والتجمع الاتحادي المعارض، وأحزاب وقوى أخرى لم تتحالف تحت مظلة تجمعها.
إضعاف الجيش السوداني ليس في مصلحة السودان ولا ثورته، فبلاد بلا جيش ستكون فريسة سهلة للميليشيات والفوضى والإرهاب، ولعل المشهد الليبي حاضر في الذاكرة القريبة قبل أن ينهض الجيش الليبي ويستعيد زمام المبادرة ويلاحق الميليشيات التي أفسدت النسل والحرث.
بلاد النيلين الأبيض والأزرق، تواجه منعطفاً خطيراً في تاريخها، في ظل وجود ميليشيات استيقظت من سباتها ووجود متمردين في إقليم دارفور، وأزمة انفصال الجنوب، الجرح الذي لم يندمل بعد ولا يزال ينزف.
الوضع في السودان ومحيطه الإقليمي، لا يسمح بإغراق السودان في الفوضى، ولهذا لا بد من عودة الثقة بين المجلس العسكري والقوى الوطنية، للخروج بالسودان سالماً ومعافى بعد أن قضى على النظام الاستبدادي السابق، وبخاصة أن السودان في زمن حكم البشير، كان تحت نظام ديكتاتوري بعباءة إخوانية، حيث كان لتنظيم «الإخوان» اليد الطولى في البلاد، بل كان بن لادن يقيم في السودان وترك أثراً وأتباعاً نائمين، يمكن إيقاظهم لإحداث المزيد من الفوضى والرعب.
الحل في السودان في اعتقادي يكمن في إيقاف التصعيد والتراضي بين جميع الأطراف والعودة إلى المفاوضات حول المرحلة الانتقالية الآمنة، مع المجلس العسكري وتعزيز الثقة في الجيش السوداني، فلا دولة سيكون لها وجود إذا أسقط جيشها أو تم تفكيكه.