مصطفى فحص
كاتب وناشط سياسي لبناني. حاصل على الماجستير في الدراسات الإقليمية. خبير في السياسة الخارجية لروسيا بالشرق الأوسط. متابع للشأنين الإيراني والعراقي. وهو زميل سابق في «معهد العلاقات الدولية - موسكو (MGIMO)». رئيس «جائزة هاني فحص للحوار والتعددية».
TT

المفاوضات وتجزئة الملفات الإيرانية

في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الألماني هاكو ماس الذي زار العاصمة الإماراتية أبوظبي يوم الأحد الفائت، قبل توجهه إلى طهران في إطار مساعٍ أوروبية ودولية من أجل احتواء التوتر في منطقة الخليج العربي، شدّد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، على ضرورة إشراك دول المنطقة في المفاوضات المقبلة مع إيران، وأكد ابن زايد «أن بلاده ترحب بجهود التهدئة في المنطقة، مشددة في الوقت ذاته على أن أي اتفاق مستقبلي مع إيران يجب أن يشمل دول المنطقة بحيث تكون طرفاً فيه».
مطالبة الإمارات بأن تكون دول المنطقة طرفاً في أي اتفاق مقبل مع إيران تهدف إلى تحذير المجتمع الدولي، وخصوصاً واشنطن من خطورة ارتكاب الهفوات نفسها التي ارتكبتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، إضافة إلى جهات أوروبية كانت طرفاً في المباحثات النووية التي سبقت الاتفاق النووي المعروف باتفاق (الدول 5+1) مع إيران. حيث يرى الصحافي الإيراني أمير طاهري في مقال نشرته «الشرق الأوسط» تحت عنوان «إيران والتزام الخطوط الوردية» أن فكرة الاتفاق 5+1 «ترمي إلى السماح لإيران بتجاهل قرارات مجلس الأمن الستة التي لا ترغب طهران في تنفيذها. كما تجاهل أوباما كذلك معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية عن طريق إعفاء إيران من تطبيق بنودها واستحداث ما اشتُهر عالمياً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو «الاتفاق النووي الإيراني» الذي ينص صراحةً على أنه مصمَّم خصيصاً ليناسب الموقف الإيراني فحسب. فقد سمح سوء التقدير الأميركي لإيران بأن تطلق العنان لمشروعها التوسعي وإعلانها السيطرة على أربع عواصم عربية ومجاهرتها بأنها نجحت في تصدير نموذجها الثوري إلى هذه الدول، كما أنها نجحت في إبقاء مشروعها الصاروخي خارج بنود الاتفاق النووي.
في السابق تجاوبت طهران مع رغبات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي سعى إلى الوصول لاتفاقية نووية يضعها في سجل إنجازاته قبل خروجه من البيت الأبيض، وتجاوباً مع رغبات أوباما اختزل الفريق الأميركي المفاوض الأزمة مع إيران في حظر امتلاكها للسلاح النووي فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمن القومي لشركاء الولايات المتحدة التقليديين في الخليج العربي، الذين يعانون منذ 1979 من محاولات إيران زعزعة استقرار المنطقة، والتي تفاقمت بعد غزو العراق سنة 2003 نتيجة سوء الإدارة الأميركية للملف العراقي، الذي أدى إلى تغلغل إيراني دفع إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، إلى ترتيب تفاهمات أمنية وسياسية مع طهران كانت أولوياتها سلامة القوات الأميركية مقابل عملية سياسية رسخت الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول الجوار الإقليمي.
حتى الآن لم تنجح طهران في تفكيك الشروط الأميركية للتفاوض، لم تتمكن من استدراج الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى إجراء مفاوضات خاصة، تسعى من خلالها إلى تجزئة الملفات، وإقناعه بالبحث في الأولويات التفاوضية وجرّه مرة جديدة إلى المربع النووي بعيداً عن ملفات أخرى باتت تشكل خطراً استراتيجياً على استقرار منطقة الخليج لا يقل عن خطر امتلاكها للقدرات النووية، إلا أن فريق ترمب المفاوض لم يزل مصرّاً حتى الآن على تطبيق شروط وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الاثني عشر التي تشكل على النظام الإيراني خطراً وجودياً وتمس جوهره الثوري والتوسعي، حيث يواجه الفريق الإيراني المفاوض حزمة شروط أميركية غير قابلة للتجزئة مرتبط بعضها ببعض، بحيث تجعل طهران متوترة من تلبية أي واحد منها تجنباً للوقوع في فخ تدحرج المطالب على شكل حجارة الدومينو.
لسان حال دول مجلس التعاون يقول إننا لن نُلدغ من جُحر المفاوضات الإيرانية - الأميركية مرتين، الأولى في العراق والثانية في جنيف، لذلك من حق هذه الدول أن تكون طرفاً أساسياً حاضراً على طاولة المفاوضات المقبلة، بعدما أثبتت التجارب أن تجزئة الأخطار الإيرانية بما يتناسب مع مصالح الدول الغربية تؤدي إلى زيادة المصاعب الإقليمية في التعامل مع التمرد الإيراني، وهذا ما ترفضه طهران وتسعى إلى تجنبه حتى لا تضطر إلى تقديم تنازلات قاسية تجبرها على الامتثال لقواعد حسن الجوار.