بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

مواجهة الجنون الإيراني حيال ناقلات النفط

لوح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأصابع الاتهام صوب الجمهورية الإسلامية، كما أصدر المسؤولون الأميركيون فيديو يزعم أنه لزورق بحري سريع تابع لقوات الحرس الثوري الإيراني يتحرك بجانب إحدى الناقلتين. ويظهر الفيديو بعض الرجال يحاولون إزالة لغم بحري غير منفجر من على جسم الناقلة.
والمعنى الضمني المتاح حتى الآن يفيد بأن الجناة كانوا يزيلون أدلة إدانتهم.
كما ألقت الولايات المتحدة باللائمة على إيران لشنها هجمات على السفن في ميناء الفجيرة خلال الشهر الماضي. وفي تحقيق أجرته الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والنرويج، أشير إلى ضلوع دولة من الدول في تنفيذ هذه الهجمات من دون التصريح بتسمية جمهورية إيران الإسلامية. وما كان من إيران إلا أن نفت تماماً مسؤوليتها عن الهجمات، مع تراجع خطاب محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني إلى مستويات متدنية من نظرية المؤامرة.
أما بالنسبة إلى أولئك الباحثين عن المنطق السليم من وراء هذه الهجمات، وبرغم كل شيء، فربما يكون من العسير معرفة السبب الحقيقي وراء شن إيران مثل هذه الهجمات - ولكن هذه النظرية تفترض بالأساس أن النظام الإيراني الحاكم يعمل بالمنطق والعقلانية.
إن هجمات خليج عمان يصعب تفسيرها بصفة خاصة؛ إن استهداف سفن الشحن اليابانية في نفس يوم اجتماع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بالمرشد الإيراني علي خامنئي في مهمة سلام جرى الإعلان عنها بصورة جيدة، سوف يسفر بالضرورة عن عواقب عكسية وخيمة، حتى بالنسبة إلى النظام الذي يلتزم التزاماً شديداً بجلد وانتقاد الذات.
لكن خامنئي كان قد أعرب عن انزعاجه الشديد من محاولات الوساطة التي يقوم بها السيد آبي بين البيت الأبيض والنظام الإيراني. ولقد رفض العرض ابتداء، وانطلق إثر ذلك إلى حسابه على «تويتر» ليرمي بضيفه الدبلوماسي الكبير أسفل الحافلة. وكانت الرؤية الأكثر لطفاً لذلك الإذلال هو اعتبار علي خامنئي أن شينزو آبي مجرد وكيل بالنيابة عن دونالد ترمب - وهو كان كذلك بمعنى من المعاني.
لذلك من الممكن أن نقف من هنا على سبب رغبة إيران في الهجوم على الناقلات اليابانية في خليج عمان، الأمر الذي عرّض كثيراً من الأرواح للخطر، فضلاً عن تعطيل الملاحة في أكثر الممرات النفطية ازدحاماً في العالم.
وأول ما تنبغي ملاحظته أن النظام الإيراني أعلن في غير مناسبة أنه سوف يقوم بذلك بالضبط، أي استخدام جدلية «لسنا نحن الفاعلين، وإنما أناس آخرون». وحيث إن تشديد العقوبات الاقتصادية الأميركية قد أسفر عن عرقلة صادرات النفط الإيرانية، فلا يجب السماح لأي جهة كانت بالمرور عبر المياه التي هي في متناول قوات الحرس الثوري الإيراني.
ويدرك الجانب الإيراني أن هذه التهديدات، إن تكررت، من شأنها أن تُفقدهم قوتهم وربما تستتبع اتخاذ إجراءات أخرى. ويمكن من واقع ذلك تفسير شن الهجمات على الناقلات النفطية بأنها دليل على أن قوى خامنئي الهجومية يمكن أن تُلحق الأذى بالآخرين فعلياً.
وهناك مبرر آخر للأمر. إذا وافقت إيران في خاتمة المطاف على التفاوض مع الولايات المتحدة، فسوف ترغب في جلب بعض أوراق المساومة إلى الطاولة - أي بعض الأشياء التي يمكن أن تقايض لأجلها بغية رفع العقوبات الاقتصادية. وخلال مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، كانت إيران قادرة على عرض تعليق برنامجها النووي كورقة من أوراق المساومة. وهي لم تعد تملك هذه الورقة الآن، رغم أن طهران قد هددت مؤخراً بتشغيل أجهزة الطرد المركزي لديها مرة أخرى. وفي الأثناء ذاتها، ربما وضع النظام الإيراني في حسبانه أن الطريقة الوحيدة لتأمين الموقف التفاوضي القوي هو الابتزاز، بمعنى: ارفعوا العقوبات أو سوف نُغرق بعضاً من ناقلاتكم النفطية، ونرفع أسعار النفط العالمية إلى عنان السماء.
وفي هذا السيناريو، تُعرض هجمات خليج عمان نمطاً غريباً من التفاؤل: إن أمعنا شيئاً قليلاً من النظر فسوف نرى أن الجانب الإيراني يتحرك بالفعل على سبيل المفاوضات. وهي استراتيجية محفوفة بكثير من المخاطر، ومن المرجح لها الفشل بأكثر من النجاح. ولكن كان هذا أسلوب الجمهورية الإسلامية المحبذ والمعتمد منذ 40 عاماً، وينبغي علينا ألا نتوقع حساً سليماً أو منطقاً عقلانياً في التعامل من جانب طهران في الآونة الراهنة أو في المستقبل المنظور.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»