وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

حينما تتفق «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية

من النادر أن تتفق هاتان الجهتان: منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ووكالة الطاقة الدولية، حول نظرتهما للسوق النفطية؛ وذلك بسبب طبيعة نشأة كل جهة منهما. فالأولى نشأت للدفاع عن حقوق المنتجين، والثانية نشأت للدفاع عن حقوق كبار المستهلكين في الدول الصناعية المتقدمة التي لديها عضوية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
وفي هذا الشهر، اتفقت الجهتان على وجود ضبابية حول نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي الطلب على النفط، حيث راجعت «أوبك» في تقريرها الشهري في يونيو (حزيران) تقديراتها لنمو الطلب هذا العام، وخفضته بواقع 70 ألف برميل يومياً، لينمو عند مستوى 1.14 مليون برميل يومياً، مقارنة بالشهر السابق. وأرجعت «أوبك» هذا الانخفاض في التقديرات إلى الحرب التجارية العالمية التي قد تؤثر سلباً في الطلب على النفط.
أما وكالة الطاقة الدولية، فقد خفضت توقعاتها لنمو الطلب على النفط، للشهر الثاني على التوالي، إلى 1.2 مليون برميل يومياً. وقالت الوكالة إن الطلب على النفط هذا العام تأثر بشدة، ولم ينم خلال الربع الأول سوى بنحو 300 ألف برميل يومياً. ولكن وكالة الطاقة الدولية أكثر تفاؤلاً من «أوبك» حول الطلب في العام المقبل، وفي النصف الثاني من العام الجاري، ويرجع ذلك إلى توقع الوكالة أن الحكومات سوف تقدم حوافز اقتصادية لتحفيز الاقتصاد وحمايته من الركود.
وقد ينمو الطلب بنحو 1.6 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من العام الجاري. وفيما يخص العام المقبل، فإن وكالة الطاقة تتوقع نمو الطلب بنحو 1.4 مليون برميل يومياً، مدفوعاً بنمو الطلب على البتروكيماويات، ونمو اقتصادي أفضل في الدول النامية الواقعة خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي حقيقة الأمر، فأنا أشارك الوكالة نظرتها المتفائلة للعام المقبل، نظراً لوجود طلب آتٍ من القطاع البحري الذي سيشهد تغيرات هيكلية في الطلب، ناتجة عن القوانين الجديدة الصادرة من المنظمة البحرية الدولية (IMO)، التي ستفرض من العام المقبل على كل السفن استخدام الوقود النظيف، بدلاً من زيت الوقود الثقيل الذي تستهلكه السفن بشكل رئيسي.
وإذا كان هناك تفاؤل حول الطلب في 2020، فأين المشكلة إذن؟ المشكلة هي في توقعات العرض، حيث ترى وكالة الطاقة الدولية أن الإنتاج من خارج «أوبك» سينمو بنحو 2.3 مليون برميل يومياً في 2020، بسبب الزيادة في النرويج والبرازيل والولايات المتحدة. وهنا، لا أتفق مع الوكالة.
لقد ظللنا لأعوام كثيرة نسمع عن نمو آتٍ من البرازيل وكندا والنرويج، ولم نرَ هذا الأمر بصورة كبيرة، وكل ما رأيناه هو نمو غير متوقع كل عام من النفط الصخري، الذي بات من الصعب التكهن بحجم الزيادة التي يشهدها في المعروض، حيث إن السوق هناك عبارة عن شركات كثيرة صغيرة في الحجم.
وبافتراض أن الزيادة في الإنتاج قد تقع، فما الحل أمام «أوبك» إذن؟ إذا صحت توقعات وكالة الطاقة الدولية (وهذا أمر صعب حالياً)، فمن المهم أن تواصل «أوبك» سياستها لتخفيض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من العام الجاري، وحتى خلال النصف الأول من 2020، لأن الصورة غير واضحة حيال الإنتاج، وليست واضحة كذلك حيال النمو المتوقع من الطلب.
إن كل العوامل تشير إلى أنه على «أوبك» أن تخفض إنتاجها، ولا يكفي ما تقوم به حتى الآن، حتى لو وصل إنتاجها في شهر مايو (أيار) الماضي إلى أدنى مستوى شهري له منذ عام 2014، بسبب العقوبات الأميركية على كل من إيران وفنزويلا.
أما أسعار النفط في الأشهر المقبلة، وفي 2020، فلا زلت متفائلاً بنموها واتجاهها التصاعدي، لسبب بسيط، هو أن المعروض العالمي من النفط قد انخفض، وربما يواصل الانخفاض، في الوقت الذي قد يسجل فيه الطلب نمواً غير متوقع. وبحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، فإن إنتاج العالم من النفط قد انخفض بنحو 100 ألف برميل يومياً في مايو (أيار)، ليصل إلى 99.5 مليون برميل يومياً، وهو أقل بنحو 2.8 مليون برميل يومياً من المستوى الذي وصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. هذا الانخفاض، إضافة إلى معدلات النضوب والتراجع الطبيعية في الإنتاج حول العالم، مع النمو المتوقع في الطلب، يجعلني أكثر تفاؤلاً حيال الأسعار.
ولكن السوق النفطية الورقية الآجلة لا تنظر إلى هذه الأرقام، وتهتم بشيئين: الأول هو الحرب التجارية، وكل ما يفعله أو يغرد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والأمر الآخر هو إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري، أو حجم المخزونات التجارية الأميركية. وفي الحقيقة، ما يقلق هو وضع الولايات المتحدة، حيث الطلب يتراجع والمعروض يزيد... وهو ما سيؤثر على باقي أسواق العالم. والأمر المقلق الآخر هو سياسات الرئيس ترمب التي جعلت الصورة ضبابية حيال نمو الطلب، وهو الأمر الوحيد الذي قد تتفق عليه جهتان ولدتا كي لا تتفقا.