سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

سيف اللغة وعنترة الريف

تعيد «دار نلسون» للنشر في بيروت، طباعة أعمال الشاعر والكاتب ونحّات اللغة أمين نخلة. وكان في نفس الأمين، وفي سعيه أن يعيّن نفسه أميراً للشعراء بعد شوقي، غير أن بشارة الخوري (الأخطل الصغير) خطف اللقب منه، ومات عليه، منكياً بذلك شيخ النقاد اللبنانيين في عصره، أبا محمد مارون عبود، الذي كان معجباً بالأمين، ويشير إلى الأخطل الصغير باسمه الأول، بشارة، في محاولة للتقليل من قدره ومكانته.
غير أن الأخطل الصغير تجاوز موقف شيخ النقاد، وبنى لنفسه اسماً بين العرب؛ وقد ساعد في شهرته قصائد المهرجانات الكبرى، وما غنى له محمد عبد الوهاب، ثم فيروز من أغان. بل غنت له أيضاً أسمهان «اسقنيها بأبي أنت وأمي - لا لتجلو الهمَّ عني - أنت همّي».
تدخل نزار قباني في الصراع الخفي بين الأمين والأخطل، ليصرح بأنه طالما تأثر بالأخير وأحبّ شعره، وذلك في أي حال كان القرن الماضي بجبابرته الكثر، فقد بقي زمن الشعر «يجوهر» منذ أيام امرئ القيس حتى محمود درويش، دون انقطاع. وما ميّز الأمين عن الأخطل كتاباته النثرية، التي رأى فيها البعض شعراً آخر.
ظلت «المفكرة الريفية» أهم وأشهر أعمال الأمين النثرية. وعندما شرعت في وضع «مفكرة القرية» لم يكن في حسبي إطلاقاً تقليد الأمين، أسلوباً أو روحاً. فالقرية عنده مجموعة مشاهد، أو ذرائع للكتابة، أما بالنسبة إليّ فهي فصول من الحياة الأولى. وفي أي حال، طلب إليّ الزميل سليمان بختي، صاحب دار «نلسون» كلمة تنشر على الغلاف الأخير من أعمال الأمين المعادة طباعتها. هذه هي:
«ولقد تعامل الأمين مع صخور الريف بمخمل المدينة. وإذ كان والده أمير الشعر المحكي، أراد هو أن يكون أمير الفصيح وفارس الفصحى. وقارب اللغة بالإزميل، لا بالقلم، فبدت منحوتة جميلة، لا غناء فيها ولا عصب. ولم يفارق هذا اللغوي الماكر البارع والماهر، حذر البكوية، التي ولد فيها ونشأ عليها. فالريف بالنسبة إليه، لم يكن سوى ثمار الصيف ومتعة نهاية الأسبوع. أما شغفه وهمّه الحقيقي، فكان ما تقدمه العاصمة لأخي العرب، من جاه وجماهير وعلو الجانب. حتى لبنان كان يراه صغيراً على شعره، وضيقاً على لغته. فهو ولد لكي تكون اللغة وطنه وأمته وأسرجة خيوله. لذلك، تلاعب بها وكأنه في مبارزة دائمة مع شاهري سيوفها، واثقاً دوماً بأنه عنترة الوغى».