سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«عاجل»

يتوقف جزء كبير من أزمات العالم اليوم على السرعة الضوئية التي يتحرك فيها «الخبر» الذي أصبح «عاجلاً» في جميع أنحاء العالم، في اللحظة نفسها. الخبر «العاجل» وأحرف باللون الأحمر والهواتف التي ترن، لا تترك أحداً على الحياد. وفي دقيقة واحدة تتفاعل ردات الفعل كأنما مؤسسات العالم أعضاء في فرقة موسيقية أُعطيت بالعصا إشارات الصعود أو الهبوط. خلال لحظات، ترتفع أسعار النفط والذهب والمعادن والحبوب، وتتهاوى أسعار الأسهم الكمالية، كالسياحة والفنادق والفنون. ومع الذهب والماس والسلع الثمينة، ترتفع أسعار الحساء والمعلبات الرخيصة؛ لأن الحروب نقص وفقر، وشورباء «كامبل» التي يسارع الفقراء إلى تخزينها.
عندما تلمح كلمة «عاجل» على الشاشة أمامك، ينتاب الجميع، دون استثناء، شعور «اربطوا الأحزمة». فالغيوم ملبدة، والمطبات محتملة، والجو مضطرب. الأخبار الجيدة، إذا حدثت، تحتل أواخر النشرة، أو باب المتفرقات، وولادة حفيد جديد للملكة إليزابيث، متوقع منذ تسعة أشهر، بكل هدوء، والعجلة من الشيطان.
أما إسقاط طائرة عسكرية أميركية في سماء الخليج العربي، فيجعل العالم كله يقف على رؤوس قدميه. وفي مثل هذه البلبلة، تسارع الناس إلى استعادة اللحظات التاريخية المشابهة، فتزداد ضياعاً وبلبلة. ذهب الجميع مرة واحدة إلى استذكار المواجهة بين أميركا وروسيا في أزمة الصواريخ الكوبية.
مهلاً. يومها كانت المواجهة بين أكبر ترسانتين نوويَّتين على وجه الأرض وباطنها. قال وزير الدفاع الأميركي روبرت ماكنمارا، إنه قبل أن يدخل منزله تلك الليلة، تأمل الشجرة أمام الباب على أساس أنها لن تكون هنا في الغد. ولا المنزل. ولا واشنطن. لكن رجل الزر النووي في موسكو، قرر تلك الليلة، أنه من الأفضل للجميع أن يبقى هذا الكوكب على حرارته الطبيعية، ولا يتحول إلى لوح ثلج واحد لا تبقى فيه حياة للبشر والشجر وسمك السلمون.
المقارنة بين القوة الإيرانية والقوة الأميركية يشبه حل شبكة الكلمات المتقاطعة، بملء الفراغ العمودي بالمرادفات الأفقية. ويكون الحل بقعاً سوداء ومهارة خارج الإطار والمنطق. فإيران لا تزال تهدد بالتخصيب، بينما كان مخزون الاتحاد السوفياتي يملك من القنابل والصواريخ والمفرقعات النووية ما يكفي لترميد أرضكم الطيبة عشر مرات. المخزون الأميركي كان يكفي لتحويل اليابسة والمياه، إلى خليط من الوحل.
مع ذلك أثارت أزمة الخليج الجديدة المخاوف. إنها فرصة ذهبية للجمهورية الإسلامية أن تظهر وكأنها قوة كبرى في وجه أقوى دولة على الأرض. وأما خسائرها المادية فواقعة في أي حال. والوقوف مع أميركا على حافة الهاوية أمر مثير. أما ما يعانيه الإيراني العادي، فآخر الهموم. هذه مسألة ثانوية، حيث يكون النظام أهم من المواطن ومن الوطن.