د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

خطر حكم الإخوان لليبيا

خطر تمكن إخوان حسن البنا الساعاتي، وسيد قطب من حكم ليبيا، لن يقف إطلاقاً عند حدود ليبيا، بل سيكون كارثية مجلجلة، وسيمتد تسونامي الخطر والضرر وتصدير الإرهاب ليس إلى المحيط الليبي فحسب، بل إلى المنطقة كلها. فالتنظيم الإرهابي الدولي لن يقف عند حدود ليبيا الجغرافية، بل سيتخذ من ليبيا مجرد «بيت مال» له ومحطة انطلاق ترانزيت، ويتحكم في بيع النفط وتصديره ومن ثم سيصدر الإرهاب إلى الدول الدول العربية جميعها، ثم منها سينتقل إلى بقية دول العالم.
فالتنظيم الشرس الذي يعتمد البيعة للمرشد وراء حدود ليبيا، لا يمكن له أن يقف عند حدودها، ولهذا يبقى الخطر سيد الموقف. وما إصرارهم منذ ثماني سنوات واستماتتهم على التشبث بليبيا، إلا من أجل جمع ثروة هائلة لتنفيذ أجنداتهم ومخططاتهم المكشوفة أصلاً.
ولذا فقد رأينا بأعيننا خبث هذا التنظيم، وكيف حل محل النظام السابق في ليبيا إثر إطاحة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الدولة الليبية عام 2011، فقد استولى بدهاء على مفاصل الدولة في طرابلس، وكانت الجماعات التي خرجت من عباءة هذا التنظيم تستولي على مدينتي بنغازي ودرنه، نتيجة الدعم اللامحدود الذي كان يوفره هذا التنظيم لهذه الجماعات قبل دكها من قبل الجيش الوطني وتحرير المدينتين.
لكن الجيد في الأمر أن هذا التنظيم لا يملك قاعدة شعبية في ليبيا. وإذا ما أجريت انتخابات نزيهة فلن تجني هذه الجماعة هي وحليفاتها شيئاً.
إن ترك ليبيا لقمة سهلة للتنظيم الشرس والجماعة الضالة، يعتبر خطأ استراتيجياً كارثياً للدول العربية، وخاصة دول الجوار الليبي، لأنها أول من سيكتوي، بل إنها اكتوت فعلياً بنيران هذه الجماعة الضالة، من خلال تصدير الإرهاب وتدريب الجماعات الإرهابية، وتمويلها، الأمر الذي سيكون أكبر كارثة، إذا استمرت سيطرة جماعة الإخوان على المال والبترول الليبي، لأنها ستتمكن من تمويل جماعات أخرى مرتبطة بها خارج الحدود، خاصة أن هذه الجماعة ترتبط ببيعة المرشد أينما كانت.
طبقاً للنظام الأساسي لـ«الإخوان»، فإنه على قيادة الأقطار الالتزام بقرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام، مما يؤكد التبعية للمرشد خارج الحدود، فجماعة الإخوان في ليبيا تلتزم بتعليمات المرشد في مصر، مما يعني أن لا ولاء للوطن بل للمرشد، الذي يمثل الوطن في منهج الإخوان.
أعضاء الجماعة يصنفون إلى مؤيد ومنتسب ومنتظم وعامل، ووفق كل توصيف يعمل العضو في الجماعة، التي ترتبط بنظام عنقودي، وسرية تامة لا مثيل لها سوى في الطقوس الماسونية، وفكر الجماعة هو المصحف والسيف كما ذكر حسن البنا.
فجماعة الإخوان المبتدعة دينياً والمفلسة سياسياً، دائمة التذبذب والتلون السياسي، الذي سبقت فيه الحرباء في تلونها بسبب الظروف المحيطة، وهو ما أفقدتها الشعبية المجتمعية، التي كانت منخدعة فيها في بداية حراك فبراير (شباط) 2011 في ليبيا، ظناً من الشعب أن أفراد هذه الجماعة البسيطة التي أتت بهم قطر كانت تعارض النظام السابق لمصلحة الشعب فاستأمنهم الشعب، بينما ثبت أنها تعارض النظام لأجل عشيرتها ومصلحتها هي فقط في أنانية لا حدود لها، وكان أن استحوذت هذه الجماعة على السلطة بالمطلق، من دون أي شراكة حتى مع باقي المعارضين، فكثيراً ما تنكرت الجماعة لمن يقف معها في محنتها أو أثناء وجودها في صفوف المعارضة، ولكنها ما أن تصل إلى السلطة حتى تتنكر لجميع من حولها، طالما هم خارج بيعة المرشد، وكأن لا عهد ولا وفاء إلا لمن بايع المرشد، والباقون لا عهد ولا ميثاق لهم عند جماعة الإخوان.
ففي الحالة الليبية كانت جماعة الإخوان في صفوف المعارضة الليبية لنظام القذافي في المنفى، ولكن سرعان ما نكثت عهدها مع تحالف المعارضة، ودخلت مع نظام القذافي في مفاوضات شراكة، في مشروع ليبيا الغد في عام 2007، مع سيف الإسلام القذافي الذي أخرج كثيراً من عناصرها من السجون، وأقنع والده بذلك، ولكنها سرعان ما انقلبت على مشروع ليبيا الغد، وتنكرت للمراجعات الفقهية التي كتبتها في سجون الدولة الليبية، وشاركت المعارضة والناتو في إسقاط ليس فقط نظام القذافي كما أشرنا بل الدولة الليبية برمتها، وبعد أن تمكنت من السلطة في فبراير 2011 تنكرت لجميع من كان في صفوفها من المعارضة والقوى الوطنية، وقبضت على السلطة بيد من حديد، يؤازرها في ذلك الدعم اللامحدود من قطر وتركيا بالسلاح والمال.
الجماعة كانت دائمة الممارسة للتقية السياسية، التي يستخدمها أعضاء التنظيم، عند التبرؤ من الجماعة وإنكار الانتماء إليها، بالقول إن الانتماء للجماعة انتماء فكري وتاريخي ولا تربطه أي علاقة تنظيمية بالمرشد، في حين أن الحقيقة هي مبايعة المرشد، الذي لا بد أن يكون «أخاً عاملاً» لأكثر من خمس عشرة سنة هلالية، ولا يقل عمره عن أربعين سنة هلالية، وبعد انتخابه يبايعه أعضاء الجماعة على السيف والمسدس، في طقوس لم ينكرها حسن الساعاتي الشهير بالبنا مؤسس الجماعة.
ولهذا على جميع القوى الوطنية، والدول العربية وخاصة الجوار الليبي، استشعار خطورة سيطرة جماعة الإخوان على النفط الليبي، ومقاليد الحكم. فالتجربة مع هذه الجماعة الإرهابية، تؤكد أن الخطر والضرر سيعمان المنطقة، وبالتالي لا بد من وقفة جادة لأهمية الخطر وتهديده للأمن القومي الإقليمي بل وحتى الدولي، خاصة أن للجماعة فروعاً في 72 دولة حول العالم، جميعها تدين بالولاء للمرشد.