مأمون فندي
أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورجتاون سابقاً، ويعمل الآن مديراً لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية. كتب في صحف عديدة منها «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«فاينانشال تايمز» و«الغاردين» وبشكل منتظم في «كريستيان ساينس مونوتور»، و«الشرق الاوسط». له كتب عديدة بالإنجليزية والعربية آخرها كتاب «العمران والسياسية: نظرية في تفسير التخلف 2022».
TT

هل يمكن إقناع إيران بالإقلاع عن التدخين؟

قسمت من قبل الشرق الأوسط إلى دول مدخنة وأخرى غير مدخنة، ولم أتحسب لخانة أخرى لدول لا تدخن السجائر، بل إنها تدخن الشيشة، وفي هذه الخانة تقع إيران، كزعيم لمدخني الشيشة؛ ليس في الشرق الأوسط فقط وإنما في العالم، ومع ذلك أنا من الذين يعتقدون أنه من الممكن إقناع طهران بالإقلاع عن التدخين. ولكن السؤال الأهم: هو كيف؟
بداية الدول المدخنة (rogue states) كانت وبعد نهاية الحرب الباردة، هي أهم تهديد للولايات المتحدة، وأحياناً كان تهديدها أكبر من الاتحاد السوفياتي، وذلك لأن الدول المدخنة لا تلتزم بأي قاعدة من قواعد العلاقات الدولية، وهي معظمها دول لا تتمتع بالعقلانية في السلوك وقد تسهم في انتشار الأسلحة الفتاكة، وكذلك رعاية الإرهاب، وفي حالة إيران قد تصل إلى صناعة قنبلة نووية. وإذا كانت أميركا ترى أن تهديد الدول المدخنة مثل إيران من أولوياتها، فالأولى بدول منطقتنا أن تأخذ التهديد الإيراني بالجدية ذاتها وربما أكثر.
في نظريات تغيير السلوك بشكل عام هناك أساسيات لا بد من وجودها، وأولها نية الشخص أو الدولة ورغبتهما في الإقلاع عن التدخين أو تغيير السلوك، وهذا الشرط غير متوفر في حالة إيران، لأن نية تغيير السلوك تفترض أن الدولة تتصرف بعقلانية (rational actor)، والمتتبع لسلوك إيران من بداية الثورة في عام 1979 يدرك أن سلوك الدولة كان بعيداً عن العقلانية، وأن ما حققته من نجاحات سواء في الحرب العراقية الأخيرة؛ أي الحرب على أفغانستان، كانت نتائج غير محسوبة لسلوك أميركا الذي صب دونما قصد في المصلحة الإيرانية، حيث منح إيران نفوذاً غير مسبوق في العراق وأفغانستان مروراً باليمن ولبنان.
الشرط الثاني لتغيير السلوك هو تغيير البيئة الإقليمية، فرغم صرامة التحالف العربي في موقفه من قطر ومقاطعتها، فإننا لا نجد الصرامة ذاتها أو المقاطعة تجاه إيران، ولو تمت مقاطعة إيران على غرار قطر بتجمع أكبر من دول الإقليم لتغير السلوك. ومن هنا تجب إعادة النظر في البيئة الإقليمية وموقفها من التدخين، يجب أن تعني عبارة ممنوع التدخين هذا المعنى بالضبط: ممنوع. ولكن هذه الرسالة لم تصل إلى إيران بصرامة، وللأسف هناك دول عربية تتعاطى مع إيران في العلن بطريقة وفي السر بطريقة أخرى. الحسم والحزم في المقاطعة ضرورتان لتغيير السلوك.
البيئة الدولية بما فيها أوروبا وروسيا والصين تعامل إيران بمعايير مختلفة، وهنا يجب بذل كثير من الجهد الدبلوماسي لبناء تحالف دولي واسع يتسم بالجدية تجاه إيران. ولو كنت مكان إيران ورأيت هذا التناقض في المواقف لما عولت على ذلك كثيراً.
العنصر الثالث في تغيير السلوك إقناع الدولة المدخنة بأن التدخين ضار بالصحة، وحتى هذه اللحظة لم تسمع إيران رسالة كهذه، ولم يشرح لها أحد معنى عبارة ضار بالصحة وتكلفتها على الجسد السياسي الإيراني. حتى تويتات دونالد ترمب والتحرك الرمزي للقطع البحرية والقوات لا يوحيان بجدية. فمسرح العمليات معقد. انتقد البعض باراك أوباما عندما تراجع عن ضرب النظام في سوريا بعد إرساله المعدات البحرية ذاتها، وموقف دونالد ترمب الأخير تجاه إيران وتراجعه في الدقائق الأخيرة لا يختلف كثيراً عن موقف أوباما تجاه سوريا.
النقطة الأساسية في هذا المقال هي أنه يمكن إقناع إيران بالإقلاع عن التدخين إذا توافرت الشروط الثلاثة سالفة الذكر. التيه في تغيير السلوك، الحزم في البيئتين الدولية والإقليمية وجدية الرسالة التي تقول إن تبني الإرهاب بصفته سياسة أضر بصحة إيران، وحتى الآن ومنذ 1979 والرسالة لم تصل.
الدول المارقة يمكن أن تغير سلوكها شريطة الجدية في التعامل معها وحتى الآن إيران لم ترَ أي مؤشرات على ذلك.