د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا والتدخل التركي

ليبيا تتعرض لتدخل تركي سافر تجاوز الدعم لطرف في الصراع الليبي إلى دخول تركيا طرفاً مباشراً في الحرب، من خلال ضباط أتراك يقودون معارك الميليشيات ضد الجيش الوطني الليبي وفق ما أعلنه الناطق باسم الجيش اللواء المسماري، الأمر الذي يعتبر تدخلاً سافراً وعدواناً على الأراضي والسيادة الليبية.
تركيا التي أرسلت، أكثر من خمسة ملايين رصاصة إلى ليبيا، بمعدل رصاصة لكل ليبي، هي تركيا التي أرسلت السفن الأربع محملة بأسلحة متنوعة؛ ومنها مسدسات كاتمة الصوت، التي تستخدم في عمليات الاغتيالات، مما يؤكد أنها تعبث بالأمن والاستقرار الليبي، هي تركيا التي أرسلت ضباطاً وجنوداً ومدرعات عسكرية وعتاداً حربياً، وطائرات من دون طيار. وجاهر إردوغان نفسه بأنه من أرسلها إلى طرابلس لدعم أنصاره من جماعة الإخوان، بالإضافة إلى الدعم الإلكتروني واللوجيستي عبر طائرات الإنذار المبكر التركية التي تحلق بالقرب من الأجواء الليبية.
رغم أن عملاء تركيا في ليبيا، يزعمون أن لتركيا فضلاً على ليبيا، بينما الحقيقة غير ذلك، فتركيا التي يربطها بليبيا تاريخ استعماري مظلم استمر لأكثر من 400 عام لم تبنِ فيه أي عمران سكني ولا حكومي، وما أنشأت نظاماً تعليمياً ولا صحياً يمكن الاستشهاد به اليوم على حجم التنمية التركية أو العثمانية، التي من المفترض أن ولاة السلطان العثماني قد قاموا بها في ليبيا، رغم جمعهم للضرائب والخموس من السكان المحليين وإذلالهم، وتشغيلهم بالسخرة، في أعمال تخص الآستانة أو القسطنطينية حيث يجلس السلطان العثماني في بذخ.
ليبيا التي غيبتها تركيا 400 سنة عن الحضارة وسلمتها لمستعمر فاشي إيطالي بعد انسحابها من ليبيا، وترك الليبيين يواجهون مصيرهم مع مستعمر استيطاني جديد، فالخذلان التركي لليبيا، ليس فقط في هذه المرة الأولى، فقد سبق لتركيا العثمانية أن سلمت ليبيا المسلمة إلى الطليان الكاثوليك، وفق معاهدة أوشي التي تم توقيعها إثر الحرب العثمانية الإيطالية (1911 - 1912). عقدت في قلعة أوشي في ضواحي لوزان السويسرية في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 1912، والتي بموجبها انسحبت الدولة العثمانية من ليبيا، تاركة الليبيين، عزلاً بلا سلاح، لمصيرهم أمام الغزو الإيطالي الاستيطاني، فعن أي حماية يتحدث عملاء تركيا؟!
ليبيا اليوم لم تغزُ تركيا ولم تتدخل في شؤونها، ولا دعمت أكراد تركيا في قضيتهم ولا حتى الأرمن، بينما تركيا لا تزال تقف في الضفة الخطأ وتهدد الجيش الليبي، بقصف مقراته، فوق أرضه وتحت سماء بلاده، مما يؤكد حالة العربدة واللامسؤولية في احترام سيادة الدول.
تركيا تؤوي جميع المحرضين على العنف في ليبيا من كبيرهم المفتي المعزول صادق الغرياني، إلى قيادات الجماعة الليبية المقاتلة من عبد الحكيم بلحاج، إلى سامي الساعدي وعبد الوهاب القايد شقيق أبو يحيى الليبي الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، الذي قتلته القوات الأميركية.
تركيا تعالج جرحى الميليشيات بل وحتى الإرهابيين، ومنهم الهالك محمد الزهاوي زعيم تنظيم «أنصار الشريعة» الإرهابي، وفق تصنيف مجلس الأمن.
مئات من جرحى الميليشيات تعج بهم مستشفيات تركيا، ولم تتوقف عن دعم الميليشيات بل وتجاهر بالدعم المستمر واللامحدود.
فمن حق القوات المسلحة العربية الليبية الدفاع عن سيادة الأراضي الليبية المنتهكة من الجنود الأتراك، فليبيا لم ترسل جنوداً إلى تركيا ولا سلاحاً إلى معارضين أتراك، ولكن الحكومة التركية فعلت، فتركيا لا تزال معول شر في ليبيا للأسف، في حين هي دولة إقليمية كان يجب أن تكون وسيطاً نزيهاً في الأزمة الليبية لتتمكن تركيا من تحقيق شراكة اقتصادية ناجحة في ليبيا، ولكن هوس إردوغان بالخلافة العثمانية والهيمنة والنفوذ بدلاً من الشراكة جعله يتقاطع المصالح مع جماعة «الإخوان» التي مشروعها «الخلافة» ودولة المرشد، ولهذا تكون العلاقة بينهما، علاقة مصلحة مؤقتة، في حين كل منهما يسعى إلى الزعامة، دون الآخر، مما قد ينبئ بصراع وشيك بينهما حين تستقر الأمور لأحدهما.
مشروع إردوغان جعل الحكومة التركية تقف في الضفة الخطأ في ليبيا، وهي بذلك تناصب أغلب الليبيين العداء، بدلاً من أن تمارس دور الوسيط النزيه في الأزمة الليبية، بحكم حجمها الإقليمي.