وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

هل «أوبك» فعلاً في خطر؟

كان اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، الأسبوع الماضي، في فيينا، خالياً من المفاجآت. لقد كانت النتيجة معروفة مسبقاً، وتم إعلانها في قمة «العشرين» على لسان الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، عقب اجتماعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وهذا الأمر هو ما ضايق المسؤولين في إيران، وعبّر عنه وزير طاقتها بيجن زنغنه للإعلام خلال وجوده في فيينا، حيث يرى أن «أوبك» أصبحت في خطر بسبب العلاقة الثنائية بين السعودية وروسيا وقدرتهما على اتخاذ القرار بعيداً عن اجتماعات المنظمة.
لعلّ هذه التصريحات والاستنكار الإيراني هي المادة الدسمة الوحيدة للإعلام الموجود في فيينا، الذي يؤمن كثير منه بأن «أوبك» مؤسسة ضعيفة دخلت مساراً تنازلياً منذ سنوات بسبب عوامل كثيرة داخلية وخارجية قوضت قوتها في السوق. وليست إيران هي الدولة الوحيدة القلقة من تغير موازين القوى داخل المنظمة.
تصريحات زنغنه، وإن كانت تأخذ الطابع السياسي، إلا أنها واقعية، حيث إنه يعبر عن قلقه حول ديناميكية، وآلية اتخاذ القرار في المنظمة، التي لم تعد كما كانت عليه قبل نشوء التحالف مع خارج «أوبك»، الذي أصبح يُعرف باسم تحالف «أوبك+»، الذي أضاف إلى قوته قوة أخرى متمثلة في ميثاق التعاون طويل الأجل الذي تم توقيعه، الأسبوع الماضي، كذلك. فهل «أوبك» فعلاً في خطر؟ وما الذي على «أوبك» فعله لاستعادة قوتها ومجدها؟
إن الخطر يواجه «أوبك» منذ سنوات طويلة، ولكن لا أحد كان ليهتم بمستقبل هذه المنظمة المسكينة، التي أنهكتها الخلافات السياسية والسياسات قصيرة الأجل للدول الأعضاء والنظرة القاصرة لكثير منها.
في كتابي «أوبك في عالم النفط الصخري»، الذي كتبتُه مع أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور محمد الرمادي، وصدر في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، تنبأنا أنا وهو بأن «أوبك» تواجه تحديات كثيرة وخطيرة في صناعة تحكمها التقنية والمزيد من الإمدادات من خارج «أوبك»، خصوصاً من الولايات المتحدة. وفي مقدمة الكتاب قال خبير النفط الدكتور سداد الحسيني إن «الوقت هو العدو الأكبر لـ(أوبك)».
لقد تغيرت قواعد اللعبة منذ عام 2011، عندما ارتفعت أسعار النفط إلى 100 دولار، وواصلت ذلك المستوى لأربع سنوات قبل أن تنهار. في «سكرة» الاستمتاع بالأسعار العالية، لم تفكر «أوبك» في «فكرة» ما قد يحدث للسوق من تغيرات هيكلية بسبب هذه الأسعار العالية، وانتهى الأمر بأن الجميع تندم في 2014، على ترك الأسعار فوق 100 دولار كل هذه المدة، حيث سمحت للنفط الصخري وإخوته من النفوط غير التقليدية بالنمو إلى حدّ هدد مصير دول «أوبك» كاملة، وليس فقط مستقبل المنظمة.
فقدت «أوبك» قوتها في السوق عندما انتقلت زعامة الإنتاج الهامشي من يد «أوبك» إلى يد شركات النفط الصخري، وكما هو معروف في صناعة النفط، فإن المنتجين الهامشيين هم من يؤثّرون في الأسعار ويتحكمون في اتجاه السوق. هناك عشرات الملايين من البراميل التي تمثل الإنتاج الأساسي للسوق، ولكنها ليست من يؤثر في أسعاره. فقط مجموعة من المنتجين القادرين على زيادة الإنتاج فوق الإنتاج الأساسي هم من يستطيع التأثير في السعر لأنهم الوحيدون القادرون على مواجهة أي زيادة سريعة في الطلب.
إن «أوبك» في خطر منذ سنوات عندما توقف الابتكار والتعاون في تطوير منتجات مؤسساتية تدعم أهداف المنظمة. قبل سنوات كانت «أوبك» معملاً للأبحاث والدراسات والخطط، وكانت هناك لجان مختلفة فاعلة، مثل لجنة السياسات طويلة الأجل واللجنة الاقتصادية وغيرها. وكانت اجتماعات «أوبك» مليئة بالنقاشات المهمة التي يتم تصديرها إلى الوزراء في صورة تقارير.
الآن أصبح هناك لجان موازية خارج المنظمة لديها قوى ونفوذ أكبر، مثل اللجنة الفنية المشتركة لمراقبة الإنتاج أو اللجنة الوزارية لمراقبة الإنتاج، ومستقبلاً قد تكون هناك لجان أخرى تحت ميثاق التعاون الجديد.
والخطر يحيط بـ«أوبك» منذ عام 2007 عندما بدأت الولايات المتحدة في التحرك قانونياً وقضائياً للنيل من «أوبك»، وما زالت هناك ضبابية كبيرة حول قانون (NOPEC)، وهذا الأمر ما جعل قطر تغادر المنظمة، وجعل روسيا غير متشجعة على إنشاء منظمة موازية لكبار المنتجين في العالم أو الدخول في تحالف رسمي مع «أوبك» على المدى الطويل.
أما مخاوف الوزير الإيراني فهي ليست خطراً على «أوبك». إن «أوبك» تغيرت بلا رجعة منذ أن بدأت التحالف لأن العالم من حولها تغير ولم تعد «أوبك» وحدها قادرة على إعادة التوازن للسوق، وهذا ما فعلته «أوبك» لإعادة مجدها.
السؤال الآن: هل هذا شيء جيد أم لا؟ إذا كنت عضواً في «أوبك» فقد تبدو هذه التغيرات مقلقة ومزعجة، ولكن لشخص ينظر للـ«أوبك» من الخارج، فإن ما يحدث صحي، لأن وجهات النظر المختلفة أمر إيجابي.
على سبيل المثال، نقاشات لجنة المجلس الاقتصادي، التي كانت تمتد ليومين، كانت كلها وجهات نظر أحادية متمثلة في دراسات السكرتارية الفنية للمنظمة يتم عرضها على ممثلين الدول الأعضاء والخروج بتقرير عن السوق يُقدم للوزراء في اجتماعهم يحمل وجهة نظر «أوبك» فقط. ومع اللجنة الفنية المشتركة، هناك وجهات نظر من خارج «أوبك»، ولهذا تقارير السكرتارية يتم نقاشها بشكل مختلف. والخلاصة هي أن العالم يتغير، وعلى «أوبك» أن تتغير في فكرها وفكر دولها، ولا يمكن لها الاستمرار بهذا الشكل القديم في عصر الثابت الوحيد فيه هو التغيير.