د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا ضحية تسونامي الهجرة

مشكلة الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، ليست ليبيا مسؤولة عنها، ولا عن أسباب تهجير هؤلاء من أوطانهم، بسبب الفقر والمرض وقلة وظائف العمل وضعف التنمية المستدامة، وكثرة الصراعات والحروب الأهلية، فليبيا يتخذها المهاجرون بلد عبور ويقيمون فيها إقامة غير شرعية ويشتغلون فيها بغرض تجميع الأموال ثم يُهرَّبون إلى أوروبا، حيث تعاني من وجودهم على أرضها، منتهكين حرمتها وقوانين الدخول إليها والإقامة فيها، خاصة بعد انهيار الدولة.
فالحقيقة أن ليبيا لا تتحمل مسؤولية هؤلاء المتسللين إلى أراضيها، لأنهم دخلوا أراضيها من دون علم أو أذن السلطات حتى يكتسبوا حق التمتع بالحماية، فهم تسللوا إلى الأراضي الليبية عبر مهربين وتجار الهجرة عبر الصحراء والحدود، ما يجعلهم ضحية سهلة للمهربين طوال رحلة الهروب أو الهجرة، وخاصة في بلد يعاني من فوضى الميليشيات المسلحة وغياب السلطة المركزية للدولة، ثم يعملون بشكل غير قانوني لتجميع الأموال للمغادرة إلى أوروبا. ومنهم من يبقى في البلد بصفة غير شرعية.
في الحروب والمعارك سقوط ضحايا، بالتأكيد أمر نأسف له، وخاصة إذا كان في مناطق اشتباك وتقاطع نيران، ولكن ظهور تسونامي من الإدانات والتنديد لسقوط 44 من الضحايا في مركز إيواء مهاجرين، من دون أن نسمع بالمقابل أي إدانة لمجزرة وتصفية 43 جندياً ليبياً جريحاً بدم بارد في مستشفى غريان، من الشخصيات نفسها، يعتبر نوعاً من ازدواجية المعايير، بل يعتبر فساداً أخلاقياً، كما أن التسرع بالإدانة وإصدار أحكام دون تحقيق عادل وشفاف سيكون ضرباً للعدالة، التي يزعم هؤلاء تحقيقها للضحايا.
ولعل ما كشفت عنه التحقيقات الأولية وشهادة الناجين تظهر حقيقة صادمة، فنقلاً عن «رويترز»، قالت الأمم المتحدة: «إنها تلقت معلومات بأن حراساً ليبيين في طرابلس أطلقوا النار على لاجئين ومهاجرين كانوا يحاولون الهرب من الهجوم الجوي، الذي أصاب مركزاً لاحتجاز المهاجرين في ليبيا».
فشهادة بعض الناجين، فضحت الميليشيات والعصابات الإجرامية في طرابلس، التي تدعمها قطر وتركيا بالسلاح والعتاد، وتؤكد شهادة الضحايا رؤيتهم لتكدس الذخائر والأسلحة المخزنة والمخبئة في مراكز إيواء المهاجرين، كما أنهم قالوا إنه تم استخدام المهاجرين في نقل الأسلحة. ما يؤكد أن ميليشيات طرابلس، تعتبر مسؤولة بشكل كامل عن حادثة مقتل المهاجرين غير القانونيين في تاجوراء، إحدى ضواحي طرابلس.
وفي محاولة للتصعيد استغلتها بعض الحكومات الداعمة لتوطين الفوضى ولحكم تيار «الإخوان» والميليشيات في طرابلس، استعجلت بتقديم مشروع متسرع لإدانة الجيش الليبي دون دليل، وعقد مجلس الأمن مساء أول من أمس هو الآخر جلسة طارئة استمرت ساعتين، بدعوة بريطانية، للخروج ببيان حول مركز إيواء المهاجرين في تاجوراء، لكن الولايات المتحدة بعد مناقشات مطولة عطّلت مشروع البيان، وأفشلت صدوره.
لعل تغريدة الرئيس ترمب عن المهاجرين غير القانونيين فيها كثير من الرسائل، حيث قال: «إن هؤلاء المهاجرين يأتون من كل مكان، ويقدم لهم كل شيء من رعاية صحية وأمن وغيرهما، لكنهم يتذمرون ولا يعجبهم كل ما يتم تقديمه لهم، فما عليك سوى إخبارهم بعدم الحضور»، فالرئيس ترمب يعكس حالة الهجرة غير القانونية، التي تعاني منها بلاده من جانب المكسيك، على هجرة الأفارقة في اتجاه أوروبا، التي يظنون أنها النعيم والفردوس المفقود، لكن يطالهم في الطريق المرض والصراع والموت، وقد يستخدمون في صراعات محلية، كما جرى استخدامهم من قبل الميليشيات الإجرامية في طرابلس، التي سبق أن وضعت كثير منهم في سوق النخاسة؛ حيث تم بيع بعضهم للعمل عبيداً عند من لا يحترم حقوق الإنسان وآدميته.
المهاجرون وجهتهم ليست ليبيا، فما هي إلا معبر بالنسبة لكثير منهم، خاصة أنها تعيش الآن ظروفاً صعبة، من الحروب والتشظي السياسي، وهي لا تختلف كثيراً عن بلدانهم التي جاؤوا منها يلتحفون الأرض والسماء.
أزمة الهجرة يمكن حلّها بعيداً عن ليبيا المثقلة بمشكلاتها وهمومها، عن طريق تحقيق تنمية مستدامة في بلدان تصدير المهاجرين، لتمكينهم من العيش بكرامة، تحد من تسونامي الهجرة. الأمر الذي لا يمكن حله أو منعه، ولو باستخدام الأساطيل، أو عن طريق التوطين في بلد المعبر، مثل ليبيا.