طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

سبق صحافي وصورة «سيلفي»

تدافع عشرات من النجوم لتقديم واجب العزاء في الفنان الكبير عزت أبو عوف، فلقد كان أستاذاً وصديقاً للجميع، له مساحة دافئة في القلوب، أشاد بها في حياته كل الزملاء.
كان سلاحه الوحيد طوال رحلته الفنية التسامح، لم يدخل في معركة مع أحد، حتى عندما تولى رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي، وعلى مدى ست دورات، حرص على ألا يصطدم بمعارضيه؛ بل كثيراً ما كان يتقبل النقد بصدر رحب.
عطاء عزت امتد إلى نحو نصف قرن؛ حيث بدأ الاحتراف منذ نهاية الستينات في الفرق الموسيقية التي كانت تُقدم المذاق الغربي، ثم في نهاية السبعينات كون فرقة «الفور أم» والتي تميزت بالأغاني الشعبية والفولكلورية الخفيفة، مع شقيقاته الأربع. وفي التسعينات بدأ مشواره في مجال التمثيل، واستطاع أن يحقق جماهيرية ضخمة على المستوى العربي، بتلك البصمة الخاصة، التي كانت ملازمة له في فن الأداء؛ حيث البساطة المتناهية، والتي تصل بالمتلقي إلى الإحساس بأن عزت وكأنه لا يمثل، وتلك هي ذروة فن الأداء.
ظل الرجل وحتى النفس الأخير مبدعاً أمام الكاميرا. صحيح أن قواه الجسدية كثيراً ما خذلته، إلا أن قواه الإبداعية ظلت في كامل لياقتها. ربما كان أسوأ ما تعرض له عزت أبو عوف، ليس معاناته مع المرض، ولكن مع شائعات الموت، ووصل الأمر إلى أن إحدى الفضائيات متجاهلة كل مبادئ الشرف الإنساني قبل الإعلامي، أعلنت على لسان عرافة أنه سيرحل خلال ذلك العام، وعاش بعدها خمس سنوات. كان أبو عوف يكتفي فقط بالنفي، مع ابتسامة تحمل رجاء لمروجي تلك الأكاذيب بالتوقف قليلاً رحمة بأسرته ومحبيه.
تحول سرادق العزاء إلى مظاهرة حب، وتتابعت الأسماء، بدأها عادل إمام، وهو بطبعه مُقل جداً في الوجود خلال الأشهر الأخيرة، وأظنه حرص على الحضور مبكراً قبل الزحام، كما أنها كانت فرصة لنفي بعض الشائعات التي أشارت إلى متاعب صحية. وكالعادة ومن دون أي مراعاة لمشاعر الحزن، تدافع مئات من المتطفلين لمتابعة النجوم وهم في طريقهم للسرادق، كما أن كاميرات الفضائيات وجدتها فرصة لا تعوض للحصول على مادة مشوقة ومجانية للمشاهدين، وشاهدنا من يلاحقون النجوم، وبعضهم امتلك الجرأة لكي يطلب صورة «سيلفي»، بينما الفنان في طريقه إلى السرادق، ولم يستشعر هؤلاء أنهم في حالة حداد على فنان كبير. السؤال الواحد يتكرر وكأنه «كليشيه» في كل الفضائيات: ماذا تقول عن عزت أبو عوف؟
ولم تتوقف التغطية الفضائية والصحافية عند تلك الحدود، بدأ البعض في التساؤل: لماذا لم يحضر فلان مثلاً، وتبدأ سهام الاتهامات المسمومة تلاحقه بالتقصير.
أعرف نجمة كبيرة تربطها صلة وطيدة بعزت وشقيقاته، لم تأتِ؛ لأنها تقيم بجوار أمها في العناية المركزة، ولا تغادر المستشفى بعد أن تعرضت الأم لظرف صحي حرج جداً استدعى بقاءها 24 ساعة، هل كان عليها مثلاً أن تُصدر بياناً لتوضيح الأمر؟!
انتقلت كالعادة «الميديا» للتفاصيل العائلية، ما الذي من الممكن أن تجنيه الصحافة والفضائيات في تناول الجوانب الشخصية؟ بعضهم بدأ يتحدث عن زوجة عزت الأخيرة، وموقف الشقيقات والابنة من الإرث.
ودعنا قبل أيام فناناً كبيراً صاحب بصمة وموقف وتاريخ، ورغم ذلك لم يمضِ على دفن الجثمان بضع ساعات، إلا وتحول العزاء إلى ساحة مفتوحة للبحث عن سبق صحافي أو صورة «سيلفي»!