حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ثورة الاتصالات واللغة

هل العلوم الحديثة في حالة خصام دائم مع اللغة العربية، مما كوّن وشكّل فجوة وهوة كبرى بات من الصعب تجاوزها؟ هناك من يقول إن الثورة التقنية في عالم الاتصالات لم يشارك العالم العربي فيها إلا بصفة «مستهلك» نظراً إلى وجود أمية إلكترونية، لأن قطاع التقنية والاتصالات الحديثة هو قطاع يعتمد في المقام الأول وبشكل رئيسي على اللغة الإنجليزية، وكون اللغة العربية لم تلاحق ركب التطور التقني الحاصل بقيت هذه النقلة في محيط النخبة المقتدرة والمتمكنة من اللغة الإنجليزية. وهذه المسألة بحثت قبل ذلك في مسألة تعليم منهج الطب وتدريسه، وضرورة الاهتمام بتعريب المنهج، وهو ما لم تستطع عمله سوى جامعة دمشق في يوم من الأيام.
في هذا السياق يظهر صوت متخصص جدير بالاحترام في هذه المسألة... هناك صوت غسان مراد، أستاذ اللسانيات الحاسوبية في الجامعة اللبنانية، وهو صاحب مؤلفين لافتين باسم «دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي»، والثاني «الإنسانيات الرقمية».
الرجل له آراء جديرة بالتمعن، فهو يدعو بإصرار إلى ضرورة إدخال العلوم المعلوماتية على العلوم الإنسانية، لأن المعلوماتية باتت العمود الفقري للاقتصاد العصري الحديث، ويطالب بربط تعليم الاثنين بعلوم الفلسفة لأن نوعية المحتوى المقدم عربياً لا يتناسب كماً ولا نوعاً، رغم أن مواقع الشبكة العنكبوتية باللغة العربية زادت بنسبة 2036% من عام 2000 إلى عام 2008، لكن عدد مستخدمي الإنترنت العرب لم يزد فعلياً على عدد 30 مليون عربي، وهو ما يشكل عُشر عدد إجمالي السكان.
هناك أسباب افتراضية كبيرة لهذا الرقم الهزيل؛ أهمها نسبة الأمية التي تبقى مقلقة ومزعجة، وكذلك اضمحلال واضح لحجم ودور وأثر وفاعلية الطبقة الوسطى في المجتمع، وهي تقليدياً الطبقة الأكثر استخداماً للإنترنت.
يفند غسان مراد مسألة الذكاء الاصطناعي برأي حر وجريء، ويرفض هذا الوصف وينكر وجود المسألة في أصلها لأن الذكاء هو حكر على البشر، ويستشهد بذلك في موضوع الترجمة المعرفية التي لا تزال وسائل الترجمة المعتمدة على التقنية مصابة بالفشل فيها، ولا يمكن الاعتماد عليها ولا على نجاحها. اللغة قد تكون فجوة أو مانعاً ما لم تتطور، وهو ما عانت منه فرنسا والصين وغيرهما على سبيل المثال لا الحصر، وإن كان هذا السؤال أو هذه المسألة ليست الوحيدة التي يثيرها التطور المتسارع لثورة الاتصالات، إذ هناك أسئلة مشروعة عن أثر الثقافة الرقمية المتوقعة على الدماغ البشري والإعلام والحقيقة وعلوم اللغة والكيفية التي سيتم التطرق عليها آلياً كبديل للعنصر البشري.
المسألة معقدة جداً وبحاجة إلى التدبر والتفكير الجدي.