د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تفجيرات بنغازي والإرهاب اليائس

«كسر عظم الميت ككسره حياً»، هذا ما قاله رسول الله عن حرمة كسر عظم الميت وجعله ككسره حياً، في فداحة للجرم، ولعل التفجير الإرهابي الغادر الأخير في مقبرة الهواري بمدينة بنغازي أثناء موكب جنازة رسمية لقيادي كبير في الجيش الليبي، قد كسر عظام الأحياء والأموات معاً، ولم يرعَ حرمة لا لميت ولا لحي، بل استغلت الجماعات الإرهابية الحدث، لإحداث ضربة في وسط قيادات الجيش التي جاءت لواجب العزاء، ولكنها فشلت. لكن ما هو مهم هو أن السلطات شرعت بالتحقيق فيه، لكونه يعتبر خرقاً، تتحمل المسؤولية عنه الجهات المكلفة حماية المكان.
مثل هذه التفجيرات لا يمكن التحصن منها بشكل كامل، خصوصاً إذا كانت انتحارية، ولكن يمكن حصرها ومنع الخسائر، خصوصاً في الأرواح، ولهذا يعتبر التفجير رسالة قوية للجهات الأمنية، لتكثيف الجهود ومنع التراخي في ضبط الحالة الأمنية.
من يفجر المساجد لا يتورع عن تفجير المقابر، بل ويخرج جثث وعظام الموتى ليكسرها أو حتى يسحقها، فهذه الجماعة الضالة دستورها فتاوى سيد قطب الضالة، التي ترجمها في كتابيه «معالم الطريق» و«الظلال»، وهو المنهج الضال نفسه الذي استهدف المقابر، فهؤلاء يبحثون عن أي عمل يظنون أنه سيخفف الضغط على جماعتهم في طرابلس، لذا أيقظوا خلاياهم النائمة التي يجب أن يبذل جهد أمني أفضل للقضاء عليها، فالتعامل مع هؤلاء بحسن النية، لا يجد صدى عندهم، فهم كالأفاعي كلما استشعرت دفء حاملها عضته.
من يقف خلف التفجيرات بالتأكيد من لديه مصلحة، ومن لديه مصلحة في استهداف قيادات الجيش غير الجماعات الإرهابية، وميليشيات الإسلام السياسي؟ هؤلاء من تطلب البعثة الدولية الحوار معهم، الذين يراهنون على القضاء على أرواح المدنيين الذين لا ينتمون لجماعتهم الشرسة، ما يؤكد انحياز هذه الجماعات لأفرادها وتوفير الحماية لهم دون غيرهم من المدنيين الوطنيين الذين يؤمنون بالجغرافيا الوطنية، التي تتعارض مع ثقافة من يؤمنون بدولة المرشد.
مجلس «حكومة الوفاق» كان آخر المعزيين في أرواح الضحايا، في حين كان يجب أن يكون السبّاق، إذا كان يؤمن بالشراكة الوطنية، ولكن هذا من المحال، فبعد تحالفه مع الميليشيات المسلحة في طرابلس، أصبح على هواها، وللأسف تحول إلى مجرد واجهة سياسية لها، تصرف وتهدر الأموال بالمليارات على هذه الجماعات المسلحة التي يمقتها الشعب الليبي، والتي لا تدين بالطاعة حتى لمجلس حكومة «الوفاق» نفسه.
التفجيرات والاغتيالات هي سلاح الجماعات الإرهابية التي تنهل من نبع الإخوان، لتحقيق أهداف سياسية، وهو الهدف الحقيقي لها، فالتنظيم الإخواني هو جماعة سياسية سلطوية في عباءة دينية، رغم ابتداعها وتخليها عن الثابت والصحيح من الدين، فهي لا تتردد في أن تتفق مع تيارات سياسية تختلف مع الدين لمجرد أن لها مصلحة، فجماعة الإخوان تغلب مصلحة الجماعة على مصلحة الدين إذا لزم الأمر، مع أنها جماعة دينية، وبالتالي لن يكون لمفهوم الولاء للوطن أي معنى.
الأعمال الإرهابية القذرة تتقاطع فيها الجماعات الإرهابية مع منظمات إرهابية كالمافيا وغيرها، وكذلك مصالح بعض الدول، التي كانت وما زالت لها مصلحة في استمرار حالة الفوضى في المنطقة وحوض المتوسط وبوابة أفريقيا، ولهذا وجدت ضالتها في ليبيا، التي تعاني من تشظٍ سياسي وفراغ حكومي.
تفجيرات بنغازي الأخيرة ترسل كثيراً من الرسائل، منها أن لا حصانة من ضربات الإرهاب والجماعات الإرهابية إلا بالقضاء عليها، وأن عمليات احتضانها والتعويل على المراجعات التي تقوم بها بعض الجماعات من حين لآخر، ما هي إلا تقية سياسية للهروب إلى الأمام.