سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

المتنبي والدخيل والمعتذر بالله: «المصالحة»

... لكن كيف أعتذر بعد كل هذا الوقت، ومن لا يزال يتذكر الموضوع، وكيف لي أن أعيد شرح ما جرى بعد كل هذه السنين؟ طبعاً، الاعتراف سوف يريحني أنا بالدرجة الأولى، والاعتذار قد يصالحني مع نفسي، فلا يعود وجهي يشتعل احمراراً كلما جاء ذكره أمامي كأنني قاتله.
لكن المناسبة، ما المناسبة؟ وأين هي؟ فجأة أطلّ علينا تركي الدخيل كما «أطل الربيع الطلق ضاحكاً» كما قال أحد شعرائه المفضلين. وبعد سنوات من إطلالاته اليومية السياسية والاجتماعية، قرر أن يكون مقاله الأسبوعي في الشعر والأدب، لكي لا يتضارب ذلك مع منصبه الدبلوماسي.
بمن يمكن أن يبدأ الدخيل هذا الباب الجديد؟ طبعاً بالمتنبي. لكنّ حلقة واحدة للثأر له ممن تطاولوا عليه، لا تكفي. لا بد من حلقتين على الأقل، وقد نصل ذات يوم إلى 70 مرة 70 مرة من الحديث عن الرجل الذي قتله طلب المجد الصغير ليصبح فيما بعد أحد سادة المجد الكبير.
تلك هي المناسبة. وأنا أشكر السفير الصديق على إتاحة الفرصة للاعتذار. وأبدأ بالتأكيد، مرة أخرى، أنك يا أبا الطيب أهم 70 مرة 70 مرة من شاعر الإنجليز (المجموع 4900) ما عدا السهو والخطأ. وسوف أعود بكل ضمير مرتاح (تقريباً) إلى ديوانك الأحمر الدفتين، كلما طاب لي.
وأحب أن أعترف لك أنني كنت، في الماضي، كلما دخلت حفلاً أو مجلساً يغني فيه وديع الصافي، أوقف الغناء والعزف على العود، وقال للحاضرين: قبل أن يطلب مني صاحبنا أن أغني تحفة المتنبي، دعوني أقدمها لكم وله. ومن ثم يتنافس عوده وحنجرته على أداء أرقى ما جاء به الشعراء:
كلما عاد من بعثت إليها
غار مني وخان فيما يقول
وإذا خامر الهوى قلب صب
فعليه لكل عين دليل
زودينا من حسن وجهك ما دام
فحسن الوجوه حال تحول
وصلينا نصلك في هذه الدنيا
فإن المقام فيها قليل
وإذا صح فالزمان صحيح
وإذا اعتل بالزمان عليل