تيريز رافائيل
TT

جونسون ورحلته غير المؤكدة للخروج من «الأوروبي»

صدق أعضاء حزب المحافظين وعد بوريس جونسون عندما قال إنه سيخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) وإنه «لا بديل عن ذلك سوى الموت». الحقيقة أنه سيحنث بهذا الوعد، والحقيقة الأخرى أننا سنرى مشهداً لم نره من قبل أشبه بالسير على الحبل في مكان شاهق.
لو أننا افترضنا أنه أصبح زعيماً منتخباً وأنه حل مكان تريزا ماي رئيساً للوزراء الأسبوع المقبل، فسيعني ذلك أنه قد راهن بكل شيء: راهن على قدرته على تحقيق صفقة خروج مقبولة من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، وأنه لديه من الأساليب التي تجعله يخرج من الاتحاد من دون صفقة حال لم يلتزم التكتل البرلماني أو البرلمان برمته بما اتفق عليه. وفي حال فشل في تحقيق ذلك فسوف يتلقى حزبه هزيمة نكراء.
ترتكز الاستراتيجية على كثير من الأعمدة غير الثابتة؛ أولاً: هناك اتفاق يجب أن يبرم مع بروكسل. ثانياً: التهديد بعدم إبرام اتفاق خروج من الاتحاد سيكون ذا مصداقية هذه المرة. ثالثاً: يمكن بيع النتيجة وتسويقها للناس. كذلك يمتلك جونسون بعض الأسلحة التي لم تمتلكها سلفه.
قال الاتحاد الأوروبي مراراً وتكراراً إن اتفاقية الخروج الحالية - التي رفضها البرلمان البريطاني 3 مرات - غير قابلة لإعادة التفاوض. لكن من الواضح أيضاً أن الاتحاد الأوروبي يريد تجنب الخروج بلا صفقة ولا يريد أن يتلقى اللوم على ذلك.
إن مفتاح الوصول إلى أي اتفاق يقع على الحدود الآيرلندية. فبموجب التفسير المشترك لاتفاق الجمعة الحزينة، تلتزم كل من بريطانيا وآيرلندا بالحفاظ على حدودهما خالية من أي بنية تحتية جمركية - وهو أمر يبدو مستحيلاً حال غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي.
وافقت ماي على دعم من شأنه أن يبقي بريطانيا داخله إذا لم يتم عمل ترتيبات جمركية بديلة، وجونسون لا يريد فقط تغيير هذا القانون؛ بل يريد إلغاءه.
يبدو أن دبلن بها كثير من العقول القادرة على التركيز. فمثلاً رئيس وزراء آيرلندا؛ تويستش ليو فاردكار، الذي أعلن بحزم أنه لا يوجد بديل عن الدعم الخلفي، قد خفف من لهجته بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة.
وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية الهائلة للمملكة المتحدة، ليس فقط كوجهة للصادرات الآيرلندية ولكن كطريق للشاحنات للوصول إلى بقية الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يمكن المبالغة في الحافز لتجنب الخروج من دون صفقة.
كان أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي على حق عندما أشاروا إلى أن تهديدات ماي كانت تنقصها اللدغات. فقد انتظرت المملكة المتحدة طويلاً لبدء تحضيراتها لهذا الاحتمال. ونقل فيلم وثائقي عرضته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مساء الخميس، عن كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي قولهم إنهم لم يتعرضوا للتهديد مطلقاً بإبرام «بريكست» من دون اتفاق ولم يصدقوا ذلك مطلقاً. الحكومة أيضاً لم تفعل ذلك، فقد نُقل عن أحد كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي قوله للوزراء، إن مثل هذا التهديد «يشبه نزع فتيل القنبلة ووضعها إلى جوار رأسك». بالطبع هذه صحيح، ومع ذلك، إذا كنت ستهدد بشيء مجنون، فأنصحك بأن تسير بشعر أشعث وتبحلق بعينيك لتكتمل الصورة، وهذا بالضبط ما يفعله جونسون.
قد يكون من المحتمل أن يهيمن على الحكومة المحافظون الذين يشاركون جونسون في الاستعداد لاتخاذ هذا المسار. يتطلع المتشددون في حزبه إلى الخروج «بلا صفقة»، وهي القضية الأساسية، رغم أن المرء يشعر أن هناك انقسامات داخل معسكر جونسون. ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادراً على تجاهل التهديد بشكل أعمى.
يعتمد الكثير على الشق الثالث لاستراتيجية جونسون ويستخفون به، وهو الرأي العام، حيث تعتمد المقامرة على بيع فكرة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة لن تكون كارثية كما يعتقد الجميع.
قد يكون ذلك جريئاً بالفعل، فقد رأى مكتب مسؤولية الموازنة المستقل الخميس الماضي، أن هذه النتيجة من شأنها أن تدفع اقتصاد المملكة المتحدة إلى حافة الركود، وأن تضر بأسعار المنازل وأسعار الأسهم بدرجة كبيرة، وكان ذلك في ظل سيناريو حميد إلى حد ما.
ليس من الضروري أن يكون جونسون على حق، فهو يحتاج فقط لإقناع عدد كافٍ من الناس بأنه على صواب، وأمله هو أن تخلق المشاعر واقعاً اقتصادياً. فقد ازداد الدعم لعدم التوصل إلى اتفاق مع زيادة إحباط الناخبين للحالة الراهنة من عدم اليقين.
إذا أدركت دبلن وبروكسل ذلك ورأتا أداء جونسون جيداً في استطلاعات الرأي، فإن مصداقية تهديداته ستزداد، وكذلك الضغط لإيجاد حل وسط.
والبرلمان، رغم ذلك، هو البديل الذي يمكن أن يحبط جونسون. فقد أظهر تصويت الخميس، خصوصاً بشأن آيرلندا الشمالية وحول قدرة السلطة التنفيذية على تعليق البرلمان، أن هناك أقلية مؤثرة في مجلس العموم يمكن أن تعطل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، حيث اعترض 17 نائباً محافظاً.
ورغم هذا التصويت، فإنه من غير الواضح أن البرلمان سيعرقل جونسون حال كان مصمماً على المضي في هذه الطريق؛ خصوصاً بالنظر إلى عدد نواب حزب العمال الذين يساند ناخبوهم أيضاً عدم التوصل إلى اتفاق.
هناك كثير من الأمور الخاطئة من الممكن أن تحدث هنا. فجونسون لا يفتقر إلى ثقة قادة الاتحاد الأوروبي فحسب، بل إن سياسته الشعبوية ترى أن سياسة «قل أي شيء» في حد ذاتها تمثل تهديداً. وكثير من قادة الاتحاد الأوروبي يحمّلونه مسؤولية التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويلاحظون ميله المستمر لإلقاء اللوم على الاتحاد الأوروبي زوراً.
ولا يُعرف جونسون بالبرلماني الماهر، وستراقب بروكسل عن كثب الإشارات التي تشير إلى إمكانية إسقاط حكومته في اقتراع بحجب الثقة.
قد يرفض أنصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أي حل وسط، ما يجعل تمريره في البرلمان مستحيلاً، رغم أنه من غير المرجح أن يقدموا على المخاطرة بإجراء انتخابات عامة.
المفارقة هنا واضحة: فكلما ازدادت معارضة عدم الاتفاق، قلّ تأثير جونسون في مفاوضاته، مما زاد من احتمالية تحقيق هذه النتيجة لأنه لا توجد طريق مباشرة للتنصل عن تعهده.
قد يكون أفضل قبول لتجنب الخروج من دون صفقة هو القبول البرلماني والعام باستراتيجية جونسون شديدة الخطورة. بالنسبة للكثيرين، سيكون ذلك الأمر غير معقول؛ حيث تتطلب خدعة ثقة جونسون أن يصدقه الناس، لكن كما أظهر استطلاع حديث أجرته مؤسسة «يو غوف»، فإن كثيراً منهم لا يثقون به، وهذا يشمل المحافظين ومساندي «بريكست» أيضاً.
قد يحسب البعض أن إحباطه سيزيد من فرص إجراء استفتاء، وأن ذلك سينعكس على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي برمته، رغم أن كليهما لن يكون تلقائياً.
سواء أرادوا ذلك أم لا، من المرجح أن يتم حجز الناخبين البريطانيين في جولة «بريكست» الغامضة لبوريس جونسون هذا الصيف: لكن الوجهة غير مؤكدة، والرحلة محفوفة بالمخاطر والسائق على ما يبدو متهور.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»