صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

«أشرف 3»... البعد الجغرافي يقابله وجود فعّال في إيران

خلافاً لما بقي يردده «نظام الملالي» في طهران، فإن مؤتمر منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية، الذي عقدته في «أشرف 3» في ألبانيا، قد أثبت من خلال نوعية المشاركين وأعداد المدعوين؛ إنْ دولاً وإنْ أحزاباً، أن المقاومة الإيرانية، ورغم كل ما واجهته من تحديات خلال السنوات الأخيرة، لا تزال في كامل لياقتها السياسية والعسكرية، وأنها تواصل الإثبات بأنها الممثل الفعلي للشعب الإيراني مَن منه في الداخل، ومَن منه في ديار المهاجر القريبة والبعيدة، وأنه بعد فترة الظلام الدامس التي تواصلت منذ عام 1979 وقبل ذلك، قد اقترب موعد انبلاج الفجر وزوال هذا النظام المتخلف الذي أغرق إيران في الدماء، والذي أقحم معظم دول هذه المنطقة في حروب متواصلة ومكلفة حتى بعد انتهاء حرب الأعوام الثمانية مع العراق.
ربما هناك من سأل ولا يزال يسأل عن المقصود بـ«أشرف 3» الذي أعطي اسماً لموقع وجود «المجاهدين» الجديد في ألبانيا بعد إخراج ما تبقى لهم من قوات عسكرية بالعراق في أعقاب متغيرات ما بعد عام 2003. والحقيقة أن «أشرف» هذه هي زوجة قائد «مجاهدين خلق» العسكري مسعود رجوي، التي كانت هي أيضاً من رموز هؤلاء، وكانت قد استشهدت مبكراً، وأطلق اسمها على مركزين قياديين سياسيين وعسكريين في العراق هما: «أشرف 1» و«أشرف 2»، وذلك في حين أن هذا هو «أشرف الثالث» الذي انعقد فيه هذا المؤتمر الأخير في منطقة ألبانية تحولت خلال نحو عام ونصف إلى مدينة صغيرة جميلة تم نقل مئات من المقاتلين إليها من الذين كانت قد تقطعت بهم السبل وبقوا في بلاد الرافدين وتحت رحمة الميليشيات المتمذهبة ومعها وحدات من يسمَون «حراس الثورة» الإيرانية الذين كانوا قد ارتكبوا، وما زالوا، جرائم مرعبة ضد أبناء الشعب العراقي؛ «السُنّة» منهم و«الشيعة» وعلى حدٍّ سواء.
المهم أن «أشرف 3» هذا قد استقبل المؤتمر الحادي والأربعين لمنظمة «مجاهدين خلق» الذي شاركت فيه، بالإضافة إلى أعضائه الإيرانيين، وفودٌ تجاوز عددها المائتي وفد؛ من بين أعضائها عدد كبير من كبار المسؤولين السابقين، خصوصاً الأميركيين منهم. هذا بالإضافة إلى الوفود العربية التي عُدّت وفداً عربياً واحداً؛ من بين أعضائه رؤساء حكومات ووزراء سابقون و«فعاليات» حزبية ونقابية لها مكانتها المؤثرة.
ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه هو أن الدولة المضيفة؛ أي ألبانيا، قد تمثلت في هذا المؤتمر، الذي كان بمثابة مظاهرة كونية، بعدد من الذين يشغلون مواقع ومسؤوليات عليا؛ وأكد من تحدث منهم باسم هذه الدولة الإسلامية العريقة التي أعطت للعرب الإمام محمد بن ناصر الدين الألباني، ومحمد علي باشا الكبير الذي حكمت سلالته مصر لفترة طويلة، وآخرهم الملك فاروق الذي أزاحته ثورة عام 1952، أن «المجاهدين» الإيرانيين يُعدّون أنهم يقيمون في وطنهم إلى حين عودتهم منتصرين إلى إيران التي نعدّها دولة شقيقة.
وهنا، وخلافاً لكل ما يروّجه الإعلام الرسمي الإيراني، ومعه إعلام الدول المنضوية في الدائرة السياسية والمذهبية الإيرانية، فإن مقر قيادة «المجاهدين» السياسية، التي على رأسها السيدة مريم رجوي، لا يزال في باريس، و«أشرف 3» بكل ما فيه من قاعات مؤتمرات ومن منشآت في مستوى منشآت الدول الكبرى قد حل محل «أشرف 1» و«أشرف 2» في العراق، وذلك في تلك الفترة التي كادت فيها منظمة «مجاهدين خلق» تحقق الانتصار التاريخي الذي لا تزال تسعى إليه.
يذكر أنه، وفي مؤتمر «أشرف 3» هذا، قد تم الإعلان وبصورة شبه رسمية عن أن القائد المؤسس مسعود رجوي الذي غاب عن المشهد الإعلامي ولسنوات طويلة لا يزال على رأس عمله، وذلك خلافاً لكل ما قيل عن أنه قد قضى نحبه في إحدى عمليات «دولة الملالي» التي استهدفت عدداً من كبار مسؤولي هذه المنظمة الجهادية. ولعل ما عزز ما تم إعلانه في هذا المجال هو أن قائدة «المقاومة الإيرانية» قد تلقفت هذا الإعلان المشار إليه بتصفيق حار تواصل لأكثر من ربع ساعة شاركها فيه جمهور قدر عدده بأكثر من 5 آلاف من المشاركين؛ بعضهم من «الضيوف» وبعضهم الآخر من الأعضاء القياديين الذين تم استقدامهم من دول كثيرة قريبة وبعيدة.
وعليه؛ فإنه يمكن القول، وبكل ثقة، إن مؤتمر «أشرف 3»، بأعداد الذين شاركوا فيه والذين حضروه بصفتهم «ضيوفاً»، قد شكل حالة نوعية جديدة؛ إنْ بالنسبة لمنظمة «مجاهدين خلق»، وإنْ بالنسبة للمقاومة الإيرانية، وشكل أيضاً مصدر إلهام للمقاومين في داخل إيران، وأن الأيام المقبلة ستشهد انهيارات فعلية لهذا النظام، الذي لأجل الهروب من أزمته الداخلية المتفاقمة قد لجأ إلى تصديرها إلى الخارج وعلى غرار ما هو عليه الوضع الآن إنْ في العراق وإنْ في سوريا، وأيضاً في لبنان واليمن.
لقد ثبت، خصوصاً بعد كل هذه النجاحات التي حققها مؤتمر «أشرف 3»، أن ثورة الشعب الإيراني قد بقيت مستمرة ومتواصلة، وقد ثبت بالفعل أن مسعود رجوي هو الوريث السياسي لرئيس الوزراء الإيراني الأسبق الدكتور محمد مصدّق، وأن انقلاب عام 1953 لم يُنهِ كفاح الإيرانيين وبكل مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية من أجل التخلص من تلك المراحل التي ازدادت ظلامية بعد «الثورة» في عام 1979 التي كانت مهمتها قطع الطريق على حركة التحرر الوطني الإيرانية، التي أصبحت ممثلة في «مجاهدين خلق» بينما كانت قبل ذلك ممثلة في «الحركة المصدّقية»... وهذا يعني أن المسيرة بقيت متواصلة، وأن الانتصار بات قريباً، وأن «الشجاعة» هي صبر ساعة بالفعل.
وهنا، فإنه علينا أن ندرك أنه لا يوجد صراعٌ عربيٌ – إيراني، وأن الصراع في حقيقة الأمر هو بين العرب، ومعهم المقاومة الإيرانية ممثلة في حركة «مجاهدين خلق»، وبين نظام شاه إيران سابقاً ونظام الملالي لاحقاً وحالياً، وهذا يعني أنه على العرب أن يتجنبوا أي استدراج لهم لأي حرب مع إيران وأن يتركوا هذا الأمر للمقاومة الإيرانية لتصبح الطرق السياسية والاقتصادية كلها آمنة وسالكة بين أمّتين شقيقتين؛ هما الأمة العربية والأمة الإيرانية، وهذه مسألة ضرورية وممكنة ما دام هناك تاريخ واحد ومصالح مشتركة، وهناك الدين الإسلامي العظيم.
ويبقى أنه لا بد من الرد على الذين يأخذون على حركة «مجاهدين خلق» أن قيادتها بقيت تعيش في «المنافي البعيدة»، وأنه لا صلة بينها وبين الداخل الإيراني، بأن الرسول العظيم محمد (صلى الله عليه وسلم) قد اضطر في البدايات إلى الهجرة بالدعوة الإسلامية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ حماية لها، وأنه، صلوات الله وسلامه عليه، قد عاد بها بعد اكتمال قوتها إلى مكان أول نزول للوحي؛ حيث كانت انطلاقتها العظيمة التي أوصلت بيارق هذا الدين الحنيف خلال سنوات قليلة إلى الصين في الشرق، وإلى «بواتيه» في الغرب بأطراف فرنسا.
ثم ألم يهاجر فلاديمير لينين بدعوته الشيوعية في البدايات إلى فرنسا ولم يعد إلى روسيا إلا بعد انتصارها؟ وهذا ينطبق على الثورة الفلسطينية، وأيضاً على «ثورة» الخميني نفسه الذي بقي في العراق لسنوات طويلة بعد مرور سريع بتركيا، وذهب بعد ذلك إلى فرنسا وأقام فيها إلى أن حانت اللحظة الحاسمة في فبراير (شباط) عام 1979 حيث عاد إلى طهران واتخذ من «مدرسة علوي» مقراً له لاستكمال انتصار مشروعه السياسي الذي أصبح وبالاً على إيران وعلى هذه المنطقة كلها التي اكتوت بحرب الأعوام الثمانية وبكل هذه الحروب المدمرة المحتدمة الآن والمتواصلة.