حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

دلالات فوز جونسون

من التعليقات الإنجليزية الظريفة حول التشابه بين رئيس الوزراء البريطاني الجديد المثير للجدل بوريس جونسون وبين صديقه وشبيهه في الإثارة الجدلية والهيئة الظاهرية والجوهرية والمشاكسية الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أن الملكة إليزابيث حين دخل عليها رئيس وزرائها الجديد فَغَرتْ فاها مندهشة وقالت: (ترمب!! أنت ما رجعت لأميركا؟!).
اشتهر بوريس جونسون بشعره المنكوش، ويبدو أن النكش هو سمته في عالم السياسة. فهو، مثل ترمب، شعبوي يحب أن ينكش الملفات الصعبة التي يتحاشاها الدبلوماسيون التقليديون، وعنده النية لنكش ملف «البريكست» (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) دون الاكتراث بمواقف الاتحاد، ويريد أن ينكش ملف المهاجرين ويشدد في إجراءاته، وهكذا مع بقية الملفات السياسية المعقدة التي أثقلت كاهل أسلافه في 10 داوننغ ستريت.
الزعيم البريطاني الجديد فيه من كل بحر ملة ونحلة قطرة، كوكتيل من الإسلام والمسيحية والنصرانية، فهو نصراني كان يعتنق المسيحية الكاثوليكية ليخلع بعد ذلك ثوب الكاثوليك ويرتدي حلة الإيفانغليكان، كما أن جده الأكبر لوالده هو التركي الصحافي علي كمال الذي كان مسلماً علمانياً؛ وعرقه اليهودي، وكل عرق دساس، عبر والدته شارلوت فوسيت، حفيدة اليهودي إلياس أفيري الروسي. كما ينتسب جونسون إلى حاخام أرثوذكسي من ليتوانيا. ومن حيث العرق فكوكتيل آخر؛ إنجليزي فرنسي تركي شركسي، ولهذا وصف جونسون نفسه بأنه «بوتقة ذوبان في رجل واحد».
نعود إلى نمط بوريس جونسون السياسي فنقول باختصار إنه الاستنساخ الأوروبي للترمبية، ولو كان للسياسة بكتيريا معدية، لقلنا إن ترمب في زيارته الأخيرة لبريطانيا قد أعدى المناخ السياسي البريطاني فالتقط بوريس هذه العدوى وتحول إلى «ترمب بريطانيا»، وقد ابتهج الرئيس ترمب بهذا الوصف وقال عن نظيره البريطاني الجديد إنه «قوي وذكي، إنهم يحبونني هناك».
ورئيس الوزراء البريطاني الجديد مثل ترمب في تبني الاستفزازية في التصريحات والمواقف، ويبدو أن «الترمبية» ستكون نمطاً دبلوماسياً جديداً في التعامل مع القضايا السياسية والإعلامية والاجتماعية وحتى الاقتصادية... وهي طريقة منزوعة من دسم اللباقة والدبلوماسية، وهي الطريق الأخطر للفوز بالانتخابات البرلمانية والرئاسية، فقد أثبت فوز ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية ثم فوز بوريس جونسون بمنصب رئيس الوزراء البريطاني أن هناك شريحة كبيرة في الجمهور الغربي أصابها الضجر والملل من السياسة الوقورة، والأساليب الدبلوماسية المنتقاة في تصرفاتها وعباراتها، وسمتها الضعيفة في مخرجاتها، وصار يعجبهم أسلوب «الصفع في الوجه»، كما يصفه التعبير الدارج.
هذا النمط في عالم السياسة سيسجل باسم «الترمبية» التي من المتوقع أن تتحول إلى ظاهرة عالمية لتنتشر عدواها إلى بقية العالم الغربي ثم إلى العالم الثالث، لتنحسر بعدها موجة الدبلوماسية الراكزة الراكدة الرزينة، ويتحول بعض الساسة في العالم إلى مصارعين وملاكمين محترفين، لا يقر لأحدهم قرار حتى يناكش هذا ويشاكس ذاك ويكز أولئك، ولا ينام قرير العين إلا إذا ملأ دنياه صخباً وضجيجاً، وربما ملأها سباباً وشتيمة، لأنهم يدركون أن هذا هو «ما يطلبه المستمعون» الناخبون.