جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

«الفاشينستات» في قفص الاتهام

«الفاشينستا»، وجمعها «فاشينستات»، تعني فتيات جميلات، عدسات لاصقة ملونة، صرعات موضة، حقائب يد، طعام شهي، رحلات سياحية، فيديوهات، نصائح، وجود قوي على ساحة وسائل التواصل الاجتماعي أو «السوشيال ميديا»... وطبيبات غير مرخصات مقابل مبالغ مالية طائلة.
قبل يومين خطرت على بالي فكرة كتابة مدونة عن تجربة طريفة مررت بها عندما جمعتني مائدة واحدة بمحامية عربية من الدرجة الأولى متخرجة من إحدى أهم الجامعات البريطانية، ومؤثرة عربية تملك أكثر من أربعة ملايين متابع على إحدى المنصات الإلكترونية. وشتان بين ما كنت أسمعه بأذني اليمنى وما كان يتبادر إلى اليسرى.
فإحدى إذنيّ كانت تسمع المحامية وهي تتكلم عن تخصصها في القضايا العائلية والشريعة وتعزيز دور المرأة في العالم العربي وتعريفها بحقوقها، وأذني الأخرى كانت تسمع عن صيحات الموضة من المؤثرة التي كانت تقوم بعمليات حسابية لعدد نقرات الإعجاب أو باللغة العصرية «اللايك» وجمعها «لايكات». بالفعل شعرت بنوع من الإحباط، المحامية كانت تحضر الحفل بدعوة من صديقتها، أما المؤثرة فكانت مدعوة كضيفة شرف، مهمتها نشر صورة لها خلال الحفل بالنظارات الشمسية في عتمة الليل لقاء مبلغ مادي خيالي تحلم باكتسابه المحامية المحترفة.
قصة المؤثرون والمؤثرات لا تؤلمني ولا تخصني، فهنيئاً لهم ولهن. ولكن بعد سماع خبر وفاة العروس الكويتية فاطمة الزهراء قبل يومين أثناء زفافها بسبب تناولها أدوية خاصة بالتنحيف نصحت بها واحدة من أشهر المدونات والمؤثرات في الكويت، آلمني هذا الخبر الحزين وتحولت فكرة المقارنة بين ما تجنيه المؤثرة والمحامية إلى مسألة أهم، وهي السماح للمؤثرات بأن يصبحن طبيبات ينصحن بأدوية التنحيف والكريمات ويقمن بنشر حميّات غذائية قمن بتجربتها لقاء مبالغ مادية مغرية.
هذه ليست المرأة الأولى التي تقع سيدة ضحية خدع ولمعان وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يقتصر الأمر على مؤثرة إلكترونية تقدم نصائح طبية لقاء مبلغ مادي، إنما هناك حالات عديدة أخرى لمؤثرات يقدمن النصائح التي من شأنها أن تودي بحياة إحداهن مثل وصف الحميّات الغذائية العشوائية بغض النظر عما إذا كانت الحميّة مناسبة أم لا.
وبعيداً عن الأخطاء الطبية التي يرتكبها المؤثرون الذين لا يفقهون في العلم شيئا، هناك أمر خطير جداً، خاصة وأن متابعي وسائل التواصل الاجتماعي هم في سن صغيرة ويتأثرون بشخصيات محلية وعالمية بغض النظر عن العواقب. فكم من حالة اكتئاب وانتحار نسمع بها في الغرب، ولا يُحكى عنها كثيراً في الشرق؟ هناك الكثير من الحالات، فيكفي أن ترى مراهقةٌ صورةَ شخصيةٍ مؤثرةٍ تريد أن تمشي على خطاها لترى نفسها تتعثر وتقع على رأسها بعدما تكتشف أن التشبه بالشخصيات المؤثرة غير ممكن لأن المؤثرات أنفسهن لا يشبهن ذواتهن في الطبيعة.
بالفعل قضية الفلتان الأمني على شبكات التواصل الاجتماعي لا بد من تقنينها سواء في الشرق أو في الغرب، فلا يجوز لأي كان أن يصبح «مؤثراً» في ليلة وضحاها، وليس هذا فقط، بل ويصبح طبيباً وعالماً أيضاً.
وهنا لا أوجه اللوم إلى من تكون قد تسببت في مقتل العروس الكويتية، إنما أتكلم بشكل عام، لأن الوضع أصبح مأساويا وتأثيره سلبياً جداً.
في بادئ الأمر كانت المنشورات الجميلة على بعض الحسابات المميزة تسبب في مشاكل نفسية لمن هم غير قادرين على العيش بنفس المستوى، مع أن ذلك العالم لا يرصد كل اللحظات إنما يقوم بعرض بعض المشاهد من حياة عادية. فمن منا ليست لديه مشكلة أو أكثر في حياته؟ وكيف يمكن أن نصدق أن المؤثرات لا يمكن أن يتعبن أو يحزنن أو ييأسن؟ ولكن هل سبق أن رأيناهن في حالات قد تجعل المتابعين يقدّرون ما لديهم ويشكرون الله على نعمه؟
الجواب «لا أظن»، لأننا - وللأسف - نعيش في عصر «الفاشينستات».