وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

الأمين العام القادم لـ«أوبك»

نشرت بلومبيرغ أمس الجمعة حواراً شخصياً أجرته المذيعة فرانسين لاكروا مع الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) النيجيري محمد سنوسي باركيندو، الذي اعتبره آخر الجيل الذهبي لأمناء العموم لهذه المنظمة التي ولدت في عام 1960 ولا تزال تلعب إلى يوم دوراً محورياً في عالم الطاقة والاقتصاد العالمي.
باركيندو، رغم أنه وجه عالمي معروف، إلا أنه رجل بسيط ومتواضع ومتدين، ويعود ذلك إلى النشأة الصوفية التي نشأها في نيجيريا والتي انعكست على الأجوبة في حواره. فعندما سئل عن موعد استيقاظه من النوم، قال في الساعة 6 لأداء صلاة الفجر، وأن طقوسه الصباحية تبدأ بالصلاة وشرب الماء.
إن باركيندو (أو أبو صديق كما يحب أن يناديه المقربون منه) من القلائل الذين تبقوا في دول أوبك من الجيل الذي عاصر المنظمة منذ الثمانينات. نعم هناك الكثير من الشخصيات الذين عاصروا تلك الفترة ولا يزالون على رأس العمل أو في قمة نشاطهم، إلا أن باركيندو يتميز بميزة وهي أنه كان مرتبطاً ارتباطاً مباشرا بأوبك منذ الثمانينات، وهو من القلائل الذين عاصروا أربعة وزراء نفط للمملكة العربية السعودية (الشيخ أحمد زكي يماني، وهشام ناظر، وعلي النعيمي، وخالد الفالح).
بدأ ارتباط باركيندو بأوبك من خلال الوزير الراحل ريلاونو لقمان والذي كان من أنجح الأمناء الذين مروا على المنظمة، حيث كان «أبو صديق» مساعده الشخصي. ولا يزال يكن له كل الوفاء والتقدير، حيث يعرف المقربون من باركيندو أنه كان ينظر إلى لقمان على أنه أبوه، وفي حوار بلومبيرغ كان لقمان هو الإنسان المفضل لديه عندما سئل عن ذلك.
ولقد رأى باركيندو كل الأحداث التي مرت على أوبك والصراعات التي مرت بها المنظمة. ومع السنوات أصبح هو جزءا من المنظمة، حيث كان ممثلاً وطنياً لنيجيريا، ومن ثم أصبح محافظاً في أوبك، قبل أن يصبح أمينا عاما مكلفا، ثم انتهى به الأمر كأمين عام رسمي.
الحديث مع باركيندو شيق، حيث إنه شخص ذو ثقافة موسوعية تشمل التاريخ والدين والاهتمامات السياسية والإنسانية. وهو شخصية بعقلية سياسية رغم أنه لا يعمل في السياسة مباشرة، ولكنه يفكر في كل أمورها الدولية. ويحب أن يقرأ ويستشرف توجهات الدول لأن في ذلك تأثيرا على صناعة النفط وأسعاره.
ورحلته الحالية مع أوبك بدأت في أغسطس (آب) من عام 2016. وفي الشهر الماضي تم التجديد له لمدة عامين آخرين من قبل الوزراء في اجتماعهم الوزاري في فيينا، ليتبقى له عامان آخران على انتهاء فترة السبع سنوات التي يحظى بها كل أمين.
وعندما سئل باركيندو في حوار بلومبيرغ عن الشيء الذي يثير قلقه، كانت الإجابة هي انهيار المؤسسات الدولية والنظام العالمي. وهذا الأمر نخشاه جميعنا ولكن انهيار المؤسسات يكون في الغالب بعوامل داخلية وخارجية. من بين العوامل الداخلية هو ضعف القيادة المؤسساتية... وفي حقيقة الأمر لم يعد هناك العديد من الشخصيات في قطاع النفط اليوم الذين يستطيعون قيادة منظمة أوبك.
إن قيادة الأمانة العامة لمنظمة أوبك أمر في غاية التعقيد، فالأمين العام شخصية نفطية وسياسية، وهو بمثابة المتحدث الرسمي لكل دول أوبك والتي تختلف كلياً في الثقافة والدين والاقتصاد والسياسة؛ ولكن توحدها لغة المال.
قبل باركيندو، كانت أوبك بلا أمين عام لمدة تجاوزت السنتين، حيث انتهت الفترة الرسمية للأمين العام السابق الليبي عبد الله البدري ولم يكن هناك توافق على من سيخلفه، إذ كانت السعودية وإيران والعراق تتنافس على أن يكون الأمين العام القادم من أبنائها، ولأن القرار بالإجماع لم يتم التوصل إلى حل، وظل البدري يحظى بتمديد خلف الآخر رغم أن هذا ضد نظام المنظمة إلى أن جاء باركيندو وتوافق عليه الجميع.
إن الأمين العام في الغالب يجب أن يكون من الدول المعتدلة سياسيا وذات العلاقات الجيدة مع كل أوبك، ولهذا كان الأمناء في الغالب يأتون من نيجيريا وإندونيسيا وفنزويلا والإكوادور. والعرب الذين تولوا المنصب لم يكونوا كثرة، وكان تعيين البدري من ليبيا بدعم من السعودية ودول الخليج لأسباب لا يمكن الحديث عنها الآن.
والسؤال هل تحتاج أوبك إلى أمين عام أم أنها تستطيع العمل بدونه؟ إن أوبك منظمة يديرها الوزراء والمحافظون والأمين العام يلعب دوراً إشرافياً على تسيير أعمالها والتنسيق بينها وبين باقي الجهات المماثلة، أو تقريب وجهات النظر بين الدول في أوقات الخلاف. إن الأمين العام هو «الرجل الحكيم» للمنظمة والناصح لكل الوزراء، وهو دور يتطلب كبراً في السن وخبرة دولية في مجال التعامل مع الوزراء والرؤساء.
ولا أعلم حقيقة من أين سيأتي الأمين العام القادم لأوبك، حيث لم يعد هناك الكثير ممن عملوا في المنظمة ولديهم القدرة الفنية والسياسية لقيادتها والتعامل مع الإعلام والمنظمات الدولية الأخرى مثل ما يفعل باركيندو بطريقة دبلوماسية قد لا يفهمها البعض، وقد يراها الكثير أنها غير ناجعة. وبقاء أوبك بدون أمين عام بعد باركيندو لن يؤثر في عملها، ولكنه سيكون دلالة على نهاية الجيل الذهبي للأمناء وعلى غياب ثقافة تجهيز الصفوف في الدول النامية التي تنتمي لها دول أوبك.