ليونيد بيرشيدسكي
TT

هل هذا سياسيّ أوروبا القادم؟

قد يكون ساندرو غوزي، الوزير الإيطالي السابق الذي يعمل حالياً في الحكومة الفرنسية، رجل المستقبل، فهو لا يرى حدوداً بين دول الاتحاد الأوروبي.
اتهم زعيم شعبوي لأحد الأحزاب الحاكمة في إيطاليا غوزي بخيانة وطنه. لكنّ اتهاماً كهذا لا يبدو عادلاً، فهناك حجة قوية للسماح لـ4% من مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية بالتصويت والترشح للمناصب في الدول التي يقيمون فيها، لا في الدول التي صدرت فيها جوازات سفرهم.
عمل الدبلوماسي المحترف غوزي لدى المفوضية الأوروبية في بروكسل ثم فاز بمقعد في البرلمان الإيطالي وشغل منصب وكيل وزارة الشؤون الأوروبية. كل ذلك انتهى العام الماضي عندما فقد الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إلى تيار يسار الوسط، السلطة لصالح تحالف رابطة «النجوم الخمسة». بعد ذلك حدث توافق في الرأي بين الرجل الذي يتحدث الفرنسية بطلاقة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فيما يخص حزب «مارش»، إلى جانب عدد من المغتربين ممن ضمنوا مكاناً في القائمة الانتخابية المقدمة للترشح للبرلمان الأوروبي.
يعد ماكرون من المدافعين عن قوائم الأحزاب الانتقالية المقدمة للبرلمان الأوروبي، وهي الفكرة التي فشلت في الانطلاق في الاتحاد الأوروبي الذي ما زال الجزء الرئيسي منه يديره الزعماء الوطنيون للدول الأعضاء. سيصبح غوزي عضواً في البرلمان الأوروبي بمجرد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وإعادة توزيع مقاعده بين الدول الأعضاء المتبقين. وفي الوقت نفسه، يقدم غوزي المشورة لرئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب، بشأن السياسة الأوروبية، فهو الشخص المؤهل لهذا الدور بصورة كبيرة.
لكن لويجي دي مايو، زعيم حزب «النجوم الخمسة»، يرى الأمر من زاوية مختلفة، حيث يقول: «أنت تمثل وتخدم الدولة الإيطالية ثم تخونها في مرحلة ما وتطالب بحكومة مختلفة. لدينا الكثير من العوامل المشتركة مع فرنسا، ولكن لدينا أيضاً مصالح متضاربة».
بالطبع، فإن غوزي يتحرك في حدود حقوقه، فالاتحاد الأوروبي لديه سوق عمل مفتوحة ويمكن للمواطنين التصويت لصالحهم في الانتخابات البلدية والبرلمانية في أي بلد. وقد أفاد دي مايو بأنه يتعين على الحكومة التفكير في تجريده من جنسيته، لكن من غير المرجح أن يكون لهذا التهديد تأثير في محكمة أوروبية. ومع ذلك، تلفت هذه القضية الانتباه إلى قضية أكبر، وهي: هل ينبغي أن تكون السياسة الأوروبية بلا حدود مثل سوق العمل فيها؟
في نواحٍ كثيرة، فإن الجواب هو نعم، إذ يدفع ملايين الأشخاص الذين يعيشون خارج ولاياتهم الأصلية ضرائبهم في بلدان إقامتهم، لكنهم لا يستطيعون التصويت في الانتخابات العامة. وهذا يضعهم في وضع غير مواتٍ، خصوصاً أن اهتماماتهم تختلف عن مصالح جيرانهم الأقل تنقلاً. وحسب تساؤل ألبرتو أليمانو، وهو أكاديمي إيطالي يعيش في إسبانيا ويعمل في فرنسا في مقال نُشر بصحيفة «الغارديان» البريطانية، «كيف لمرشح محلي لم يعش حياتنا أن يكون ممثلاً لنا؟».
إن السماح للمغتربين بالتصويت والترشح في أماكن إقامتهم أمر منطقي أكثر من جعلهم يشاركون في الانتخابات في بلدانهم الأصلية، لأنه بات أكثر قرباً من أجندتهم المحلية مقارنةً بوطنهم البعيد على الرغم من أن مشاركة «الأوروبيين المتنقلين» في الانتخابات البلدية أقل بكثير من المواطنين المحليين، إلا أن الملايين منهم يدلون بأصواتهم، وكثيراً ما شاهدنا دولاً تنتخب الأجانب في الانتخابات البلدية. ففي شهر يونيو (حزيران) انتخب سكان «روستوك» بشمال شرقي ألمانيا المواطن الدنماركي كلاوس روه مادين، رئيساً لبلديتهم.
تعد عملية وضع العمالة الوافدة في قوائم الناخبين المحليين أبسط من محاولة تنظيم التصويت الخارجي - وهو أمر لا يحاول بعض دول الاتحاد الأوروبي، مثل آيرلندا واليونان، القيام به.
الفكرة ليست بالجديدة، ففي عام 2013 أطلق الرئيس التنفيذي لمؤسسة «يورو نيوز»، فيليب كايلا، وعدد من الحلفاء ذوو الأفكار المتشابهة مبادرة تطالب مواطني الاتحاد الأوروبي بالحصول على حق التصويت في مكان إقامتهم، إلا أنها فشلت في الحصول على المليون توقيع اللازمة للمفوضية الأوروبية للنظر في اقتراح التغيير.
ليس من السهل إنكار الجدل ضد تمكين المغتربين من الممارسة الانتخابية لسبب واحد وهو أن البرلمانات الوطنية والحكومات تتخذ قرارات تؤثر على المستقبل والحاضر. ويجادل البعض بأن المغتربين ليست لهم مصلحة في مستقبل أي بلد، حتى لو كانوا يعيشون هناك اليوم. إضافة إلى ذلك، إذا كانت الإقامة تمنح الحقوق الانتخابية، فسيكون من غير المنطقي منح مواطني الاتحاد الأوروبي وحدهم حق التصويت، ومن ثم يمكن لأي شخص تقريباً التصويت في أي مكان، وربما في عدة بلدان في وقت واحد.
ومع ذلك، فإن الإجابة عن هذه المخاوف تكمن في أن جميع الأوروبيين، بطريقة ما، يستثمرون في مستقبل الاتحاد - وهو أمر صاغته البرلمانات الوطنية والحكومات بقدر ما تستثمره المؤسسات التي تتجاوز الحدود الوطنية.
هذا يميز مواطني الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عن الأجانب المقيمين الآخرين. هي أيضاً حجة كبيرة في صالح القوائم الانتخابية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
غوزي ليس السياسي الأوروبي الوحيد الذي يسعى للحصول على مقعد في البرلمان الأوروبي خارج وطنه، فقد حاول في ذات الاتجاه نائب رئيس الوزراء البولندي السابق جاسك روستوفسكي، في لندن وكذلك فعل وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس في ألمانيا. ولكن فقط الإيطالي لا تزال لديه فرصة للحصول على مقعد. ربما لا يزال الناخبون غير معتادين على دعم الأشخاص الذين خدموا في الحكومات الأجنبية. لكنهم قد يشرعون في رؤية الساسة ذوي الخبرة القادمين من الدول المجاورة كمورد ثمين. على سبيل المثال، قد يؤدي تغيير الحالة المزاجية في بولندا إلى إبقاء الأفراد الموهوبين خارج مكاتبهم هناك - لكن لا يزال بإمكانهم العثور على الدعم في أماكن أخرى.
دي مايو محقّ في أن النزاعات تنشأ بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه من وقت لآخر حيث تتباين مصالحهم. لكن ليس كل المواطنين الإيطاليين مصدر سعادة لحكومتهم الشعوبية. ولأنها تدون أسماء «الاتحاد الأوروبي» و«إيطاليا» في جوازات سفرهم، فإنه يمكن التماس العذر لهم في أنهم أكثر ارتباطاً بالاتحاد الأوروبي من إيطاليا اليوم، وكذلك في التماس العذر لمحاولتهم العمل مع أي دولة تحتاج إلى خبراتهم.
إن الحق في التصويت والترشح في أي مكان في الاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يجعل هذ التنسيق الأوروبي خياراً مفيداً لجميع الأوروبيين من أصحاب الفكر السياسي وستساعد على تشكيل هوية مشتركة.
من الصعب تخيل أن معظم الحكومات الأوروبية تدعم الفكرة اليوم، لكن كلما زاد عدد الأشخاص الذين يسيرون على خطى غوزي، زاد احتمال ظهور جنسية أوروبية حقيقية يوماً ما.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»