حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

سلامتك يا سودان

تنفس السودانيون الصعداء ومعهم كل العرب ومحبو السودان بعد الإعلان الدستوري الحضاري الذي اتفق عليه المجلس العسكري الانتقالي وقوى «إعلان الحرية والتغيير»، وبدا السودان، في أثناء المفاوضات العسيرة بين الجانبين، كأنه أمٌّ تُجري عملية ولادة قيصرية، والأمة العربية تضع يدها على قلبها من أن يزلّ مشرط فيفجّر شرياناً يُغرقه في بحر من الدماء، أو يقطع عصباً حيوياً فتشل حركته، أو تتأخر عملية الولادة فيختنق مولود التوافق، وفور الإعلان عن نجاح المفاوضات الحضارية والإعلان عن المولود الدستوري عمّت فرحة العائلة العربية كلها من المنامة حتى تطوان. اللافت أن هذا المولود الجديد أعلن عن الترحيب به كل حكومات الدول العربية التي تنخر بعضَها الخلافاتُ والنزاعات، وانصرفت الأطياف السياسية العربية عن مشاجراتها ومماحكاتها لترحب هي الأخرى بالمولود الدستوري. نعم قد يكون ترحيب بعض هذه الأطياف نوعاً من «التقية» السياسية وإلا فهي تضمر في نفسها أن الشعوب العربية لا ينفع فيها إلا العسكريون، و«ذكر» عنيف يُخرس أصوات الإصلاح.
إذا عاش المولود السوداني الجديد «الإعلان الدستوري» وكُتبت له الحياة وطول العمر، فلن يكون نجاحاً سودانياً خاصاً، بل سيكون نجاحاً للنظرية التي تقول بأن القوى المدنية والعسكرية جناحان لطائر الدولة ولا يمكن للدولة أن تحلق بأحدهما دون الآخر، وهذا ما لا يتصوره بعض النخب السياسية العربية التي تظن أن في العرب «جيناً» خاصاً لا يوجد في بقية الأعراق البشرية، فهم دون غيرهم لا يستقيم لهم أمر ولا يقر لهم قرار ولا يستقر لهم أمن إلا بالعسكريين؛ سوّقوا لشعوبهم وللعالم أن «مخلوق العرب» ينزع إلى مقايضة الأمن بالبطش، والرخاء بالاستبداد، فإذا نجح الاتفاق بين جناحي الطائر السوداني (القوى العسكرية والمدنية) وحلّق الشعب السوداني في فضاء الحريات والحياة الكريمة وانتعش اقتصاده كان ذلك إيذاناً بنقض هذه النظرية البليدة، وإيذاناً آخر بالموت البطيء للديكتاتوريات العسكرية القمعية.
واللافت للنظر أن البعض بلغ من تناقضه أنه كان إلى وقت قريب يريد للسودان حكماً عسكرياً قمعياً يقضي على فلول الحكم العسكري البشيري الذي جثم على صدر السودان 30 عاماً، أي أنه يريد قمعاً مستمراً للشعب السوداني، فقط يريد أن يخلع البدلة العسكرية الإسلامية ويضع بدلاً منها بدلة عسكرية علمانية، ولا يدرك أن الناس فُطرت وجُبلت على كره الظلم والاستبداد والقمع سواء تدثر بالإسلامية أو تسربل بالعلمانية.