خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

أنا وأبو ناجي

كان لي موعد قبل سنوات في لندن مع صديقي الراحل زاهد محمد زهدي، رحمه الله، وأخلفت الموعد مع الأسف، وتأخرت عنه كثيراً. وبالطبع أثار ذلك مشاعره، فقضى الوقت؛ نحو ساعة من الزمن، يفكر ويحسب ويسائل نفسه: لمَ ابتلاني الله عز وجل بهذا الصديق الذي لا ينفكّ عن تجاوز مواعيده؟ لحقت به أخيراً واقفاً أمام محطة قطار «هولاند بارك» وبيده القلم والورق يخط شيئاً ما. اختطفت الوريقة منه فوجدت عليها هذه السطور من الشعر العامي الذي اعتاده صديقي الشاعر؛ زاهد. يقول فيها من باب العتاب:
شافني صاحب قديم وبنيّته يحييني
قلت له خليها تراني مواعد القشطيني
قلت أبو نايل أخونا والعهد عنده عهد
وقلت «أبو ناجي» معلمه وأبد ما يخلف وعد
مرتين أخلف بوعده وإجا متأخر بعد
من بعد يا خالد بالوعد توفيني؟
وأنت أبو ناجي معلمك وأخلفت يا عيني!
«أبو ناجي» كنية الإنجليز عند العراقيين، وهو أمر محير... فحالما يختلط الإنسان بالإنجليز يتوقع منه الناس أن يضبط ويحترم مواعيده وكأن الساعة الدقاقة قد اخترعها الإنجليز.
مرت أشهر وجاء أبو عمار ثانية إلى لندن... وثالثة أو عاشرة. رتبت موعداً معه في فندق؛ وأخلفت الموعد. وكأن الشاعر قد ملّ من الانتظار فترك قصاصة مؤقتة بالساعة 12.05 ومؤرخة بتاريخ 28 سبتمبر (أيلول) 1994. وعلى القصاصة هذه الأبيات:
أنت يا من جئت تزهو مرحاً
تحسب الخطوة شوقاً للقاء
إنما «خالد» للتوّ صحا
ناسياً موعده للشعراء!
لك أن تغضب أو أن تصفحا
فهما عند «ابن قشطين» سواء
لك إن واعدته عند الضحى
أن تجيء الظهر أو تأتي المساء
وضعت القصاصة في جيبي وحمدت الله على تأخري الذي أعطاني هذه الأبيات التي أنقلها الآن للقراء. بعد سبعة أعوام، أودى المرض بالشاعر فدخل المستشفى يصارع الموت. قلت لنفسي: هذا شاعر لا يحترم مواعيده. وقفت على حافة القبر وقلت: يا «أبو عمار» نسيتَ موعدك معي؟ أنا كنت أتأخر عليك ساعة... نص ساعة، ولكنك الآن وضعت الدهر كله بيني وبينك. تأملت وقلت:
وتواعدون وتضحك الأقدار
والموت والطب والعطار