داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

كشمير مرة أخرى

لا جديد في إعلان باكستان عن توجهها إلى مجلس الأمن في قضية كشمير. لكنه أمر مطلوب لإيقاف تدهور العلاقات الباكستانية – الهندية بعد القرارات الهندية الأحادية في الإقليم الذي شهد ثلاث حروب منذ استقلال الهند وباكستان عام 1947. وهو أمرٌ قد يتجدد إذا لم يتم ضبط ساعة السلام والأمان بسرعة. وقد كان رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان دقيقاً حين أكد أنه لو دخل البلدان الحرب مرة أخرى «فلن يفوز أحد بها» من الطرفين النوويين.
يقول التاريخ إن بداية دخول الإسلام إلى القارة الهندية كانت في القرن الهجري الأول حين دخل المسلمون إلى الهند والسند في العهد الأموي بقيادة الفاتح محمد بن القاسم الثقفي سنة 90ـ. ثم امتد الإسلام في الهند التي كانت تضم الهند وباكستان وكشمير عن طريق الدعاة الفاتحين والتجار والرحالة المسلمين. واستولى السلطان محمود الغزنوي في زمن الخلافة العباسية على الهند كاملة في سنة 396ـ. وذكر ابن الأثير في «الكامل في التاريخ» أن الغزنوي وصل لإلى كشمير فاتحاً سنة 407ـ، فلما بلغها أسلم أهلها على يديه.
في منتصف القرن العشرين قررت الأمم المتحدة إجراء استفتاء حر ومحايد لتقرير مصير كشمير، لكن الاستفتاء لم يحدث أبداً. وظلت المنطقة محل نزاع بين ثلاث دول هي الهند وباكستان والصين، وتدّعي كل منها أحقيتها في الإقليم كاملاً استناداً إلى ما لديها من وثائق تاريخية وديموغرافية. بينما تطالب نسبة كبيرة من السكان بالاستقلال عن الدول الثلاث.
أصل المشكلة الحالية التي أدت إلى قيام ثلاث حروب دموية في سنوات 1947 و1965 و1999 بين الهند وباكستان بعد قيام الدولتين يعود إلى الاحتلال البريطاني؛ إذ غزت بريطانيا شبه القارة الهندية سنة 1819 وخاضت حرباً ضد الحكم الإسلامي لمدة 27 سنة، ثم استطاعت بسط سيطرتها على المنطقة وقسمتها إلى ثلاثة أقسام هي الهند وباكستان، أما كشمير فقد أجّرتها بريطانيا لمدة قرن كامل لإقطاعي هندوسي بموجب عقد إيجار وُقِّع في مدينة «أمرستان» من سنة 1846 إلى 1946، وهي أول مرة في التاريخ يتم فيها استئجار إقليم بشكل كامل جغرافياً وسكانياً واقتصادياً!
وقد لا يعلم كثير من القراء أن والد الخميني الذي أسقط نظام الشاه في إيران عام 1979 كان مقيماً في الجزء الهندي من كشمير قبل أن يهاجر إلى مدينة «خمين» الإيرانية عام 1900 حيث قُتل فيها من قِبل أحد أصحابه حين كان الخميني يبلغ من العمر عامين!
ندع إيران لمصيرها مع الرئيس الأميركي ترمب، ونعود إلى الهند وباكستان الدولتين الصديقتين لمعظم دول العالم. وباستثناء قضية كشمير المزمنة، فإن علاقاتهما مع الدول الأخرى متوازنة وتحظى بالاحترام. وكان أول رئيس لجمهورية باكستان محمد علي جناح مصلحاً سياسياً وزعيماً وطنياً ترك بصمات واضحة في بلاده، مثلما فعل المهاتما غاندي في الهند. في الظاهر، يبدو الأمر خصاماً بين مسلمي إقليم كشمير الذين يشكّلون الأغلبية من جهة والهندوس في الهند من جهة أخرى. ودائماً في كل المشكلات، كما يقول المثل العربي: «فتش عن الإنجليز» في الدول التي استعمرتها بريطانيا، نجد أنهم شجعوا الهند منذ عقود على ضم الإقليم ذي الغالبية المسلمة، وبذلك تفجر صراع مزمن بين البلدين الجارين اللذين يتميزان بالعلم والأدب والفن.
كنا نقرأ في صبانا أشعار محمد إقبال الفيلسوف والسياسي والأكاديمي الذي لقبوه بـ«الأب الروحي» لباكستان. وكنا نطرب مع كوكب الشرق أم كلثوم في رائعتها الدينية «حديث الروح» وهي واحدة من أهم وأجمل قصائد محمد إقبال. وفي الهند كان نجم الشعر البنغالي طاغور الذي قال بعد وفاة محمد إقبال: «لقد خلّفت وفاة إقبال في أدبنا فراغاً أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل. إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند». توفي محمد إقبال عام 1931 قبل أن يشهد ولادة دولة باكستان على يد رفيق كفاحه محمد علي جناح.
أما في الهند فقد بزغ نجم الشاعر رابندرونات طاغور، ولا تـُذكر آداب الهند إلا ويـُذكر هذا الشاعر والمسرحي والروائي البنغالي البارع. ودائماً هناك نوع من «التوأمة» بين الهند وباكستان سواء في ارتياد الفضاء أو النادي النووي أو السينما.
نحن في قارة آسيا والعالم نشعر بالغبن والإجحاف والأسف لو اندلعت حرب جديدة بين الهند وباكستان. دولتان خُلقتا، كما تمناهما محمد إقبال وطاغور، عنواناً للحياة والمحبة والسلام. كان حلّ «الإقليم» لكشمير حلاً واقعياً يُنهي معضلة سياسية كبيرة في واحدة من أجمل مناطق العالم كما خلقها الله. ما الذي أعاد هذه الأرض الطيبة إلى مربع التصعيد الحربي من جديد؟ لقد وصل البلدان إلى مرحلة فقدان الثقة المتبادلة. وفي هذه الحالة فإن الوساطة الدولية ضرورة لحل هذا النزاع الدموي في ظل قرارات الأمم المتحدة.
مع أن باكستان هي المسؤولة عن الأمن والدفاع في ولاية كشمير، إلا أنها لم تبذل جهداً واضحاً في النشاط الاقتصادي أو المدني. لا بد من حلّ يُرضي الطرفين ليس لتناول عشاء عمل وإنما لحماية السكان من حرب قد تعيد الدولتين الكبيرتين إلى الوراء سنوات طويلة. الهند وصلت إلى المريخ قبل الولايات المتحدة وروسيا، ونريدها أن تصل إلى السلام مع جارتها باكستان قبل أن يتوسط بينهما الرئيس الأميركي دونالد ترمب أو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
أحياناً تبدو الأزمة بين البلدين «عابرة» للسياسة، فالهند لا تسمح منذ سنوات بعرض الأفلام السينمائية الباكستانية، وكذلك تفعل باكستان مع الأفلام الهندية. ربما لو عُرضت أزمة كشمير على النجم الهندي المسلم شاروخان والنجم الهندي السيخي أميتاب باتشان والنجم الباكستاني المسلم فؤاد خان سنحصل على «نهاية سعيدة» كما نراها في الأفلام!