ليونيد بيرشيدسكي
TT

ألمانيا والتعامل القانوني مع عنف اليمين المتطرف

بعد إضافة عدد ضحايا حادث إطلاق النار الجماعي في إل باسو، تكساس، الولايات المتحدة، فإن الإحصاءات تشير إلى أن عدد الناس الذين قُتلوا في الولايات المتحدة على أيدي إرهابيّي اليمين المتطرف (107) هو أكبر من عدد هؤلاء الذين قُتلوا على أيدي الجهاديين (104)، وذلك منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وصحيح أن محاولة حلّ هذه المشكلة عن طريق اتخاذ التدابير التنظيمية هو أمر مفهوم، لكنّ التجربة الألمانية في محاربة التطرف اليميني والإرهاب قد تكون جديرة بالنظر فيها أيضاً، فعلى الرغم من السياسات الصارمة التي تبنتها برلين ضد التطرف اليميني والإرهاب، فإنه لا يزال هذا النوع من العنف متكرراً بشكل لا يبعث على الراحة التامة.
ولدى ألمانيا بعض قوانين الأسلحة الأكثر تقييداً في العالم، وعدد عمليات القتل التي تتم برلين هو نحو 1 – 19 من تلك التي تتم في الولايات المتحدة، ولكن ألمانيا لديها ضمانات محددة ضد العودة إلى ماضيها النازي، وأحد هذه الضمانات هو وجود قانون صارم ضد خطاب الكراهية، والذي يعاقب بالسجن لمدة أقصاها 5 سنوات بسبب الخطاب العنصري، بما في ذلك على وجه التحديد تبرير الجرائم النازية، مثل إنكار الهولوكوست، وهذا القانون ليس موجوداً على الورق فقط، ولكن يتم تطبيقه على نطاق واسع، بما في ذلك ضد المنشورات العنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي عام 2018 اتخذت الشرطة الألمانية إجراءات في 1472 قضية نشر منشورات كراهية، ومنها 1130 قضية كانت ضد أشخاص عبّروا عن آراء يمينية متطرفة.
والضمان الثاني في ألمانيا هو في الأساس أحد عناصر الدولة البوليسية، وهو الأمر الذي تشعر ألمانيا بالحساسية تجاهه في جميع المناطق الأخرى تقريباً. وتعد إحدى المهام الرئيسية للمكتب الاتحادي لحماية الدستور في ألمانيا هي مراقبة سكان ألمانيا عن كثب من المتطرفين اليمينيّين، الذين تحتوي تقارير المكتب السنوية على أعداد دقيقة لهم، فهم أعضاء في منظمات يراقبها جهاز المخابرات الألماني باستمرار، أو في المجتمعات غير المنظمة مثل Reichsburgers وSelbstverwalters وهم الأشخاص الذين يعلنون أنهم يعيشون بموجب قوانين الرايخ الألماني، بدلاً من جمهورية ألمانيا الاتحادية، أو وفقاً لقوانينهم الخاصة.
ويعتبر المكتب أن حضور جميع أنواع التجمعات اليمينية، بما في ذلك الحفلات الموسيقية للموسيقيين المشهورين من اليمين، وإعداد قوائم تفصيلية لهذه التجمعات هي أحد مهامه، فقد أحصى إقامة 270 من مثل هذه الحفلات الموسيقية عام 2018. ويتسلل أيضاً إلى الجماعات المشبوهة، ويراقب الأفراد.
ويبدو أن مخبري المكتب الاتحادي قد فشلوا في الإبلاغ عن نشاط المجموعة للشرطة، وذلك على الرغم من أنهم كانوا على علم بهذا النشاط، ما أثار تساؤلات حول علاقة جهاز المخابرات بالمشهد اليميني، لكن فكرة إجراء العمليات الاستخباراتية ضد الجماعات اليمينية المتطرفة في مجتمع يرفض المراقبة، ويشدد على الالتزام بالحرية السياسية هو أمر جدير بالملاحظة، ففي الولايات المتحدة، تعد جهود إنفاذ القانون ضد التطرف العنصري ضعيفة مقارنة بألمانيا.
ومع ذلك، فإن ألمانيا، رغم اتخاذها لهذه التدابير كافة، تشهد زيادة مقلقة في العنف اليميني؛ حيث كشف تحقيق أجراه الموقع الإخباري Zeit Online وصحيفة Tagesspiegel اليومية العام الماضي عن 169 جريمة قتل ارتكبها متطرفون يمينيون بين عامي 1990 و2017، ولكن تمت إضافة نصفهم فقط في الإحصاءات الرسمية باعتبارها جرائم ذات دوافع سياسية، وفي الأشهر الأخيرة هزّت ألمانيا جريمتا قتل ارتكبها إرهابيون من اليمين المتطرف، وهما حادث اغتيال رئيس حكومة مدينة كاسيل الألمانية والتر لوبكي، ومحاولة قتل مهاجر إريتري، وفي الحادثين تم وصف المهاجمين بأنهم ذئاب منفردة، لكن قاتل لوبكي كان على قائمة المراقبة الخاصة بالمكتب الاتحادي، باعتباره أحد أفراد المشهد اليميني المتطرف.
ويتم ارتكاب أكثر من 1000 جريمة عنف كل عام من قبل اليمين المتطرف الألماني، وإذا كانت الأرقام التي جمعها Zeit Online وTagesspiegel صحيحة، فإن الخسائر في الأرواح المرتبطة بالنشاط اليميني المتطرف ستكون بالحجم الذي هي عليه في الولايات المتحدة نفسه، وذلك على الرغم من أن ألمانيا بلد أصغر، ونادراً ما يتم فيها ارتكاب عمليات إطلاق النار الجماعية، ومن الممكن بالطبع أن تقلل إحصاءات الولايات المتحدة من عدد عمليات القتل من اليمين المتطرف هناك، لأن الدافع العنصري لا يُنظر إليه دائماً باعتباره السبب الرئيسي، ولكن على أي حال فإن كل هذا الاهتمام من قبل الحكومة الألمانية بالمشهد اليميني المتطرف قد فشل في منع كثير من أحداث العنف.
وبالتأكيد؛ هذا لا يعني أن القيود والضمانات التي تمت إضافتها لم تكن مفيدة، فربما يكونون قد منعوا ارتكاب مزيد من الجرائم أكثر من فشلهم في وقفها بالكامل، لكن مسألة حلّ مشكلة العنف اليميني هي أكثر تعقيداً من مجرد العمل على منع الجريمة، فهي قبل أي شيء مسألة متعلقة بالحفاظ على صحة المجتمع ووجود نقاش عام محترم فيه.
فالكراهية والغضب هما ليسا مجرد تفاعلات كيميائية في أدمغة عدد قليل من الأشخاص المجانين، بل هما ظاهرة اجتماعية.
-بالاتفاق مع «بلومبرغ»