إميل أمين
كاتب مصري
TT

ماذا قدمت إيران للقضية الفلسطينية؟

يمكن للمرشد الإيراني أن يدّعي القيادة والريادة في إثارة الفتن في الإقليم والعالم، وله أيضاً أن يتحدث عن خططه للفوضى ومعسكرات التدريب التي تقوم عليها بلاده، غير أنه لا يمكن له بحال من الأحوال أن يدّعي بطولة زائفة فيما يخص القضية الفلسطينية ودعمها، سيما أن الملالي هم سبب رئيسي من أسباب الفتنة، والمعارك الدونكشوتية التي يتبنونها لا تقنع العالم أولاً والعرب ثانياً، بأنهم كانوا في لحظة بعينها عوناً ومدداً لأصحاب أعدل قضية قاربت على ثمانية عقود، بل على العكس من ذلك تماماً.
نجحت إيران ولا تزال في تعميق الفتنة بين صفوف الفلسطينيين، وتوسيع الهوة بين أبناء الأرض المحتلة؛ تعطي من طرف اللسان حلاوة وتروغ كالثعلب في ساحات الوغي، التي باتت تتجاوز الحروب العسكرية إلى الدعم الاقتصادي والحياتي، من أجل تثبيت حضور أهل الأرض الأصليين في جذورهم وعدم تمكين الآخر من اقتلاعهم منها.
خلال لقائه الأخير وفد حركة «حماس»، كان خامنئي يغرد بالقول: «إن قضية فلسطين تعد اليوم واحدة من أهم القضايا في العالم الإسلامي، وهي مسألة تتصدر كل القضايا السياسية للمسلمين بغض النظر عن طوائفهم أو عرقهم أو لغتهم»... أهي المزايدة الفارغة من المضمون الحقيقي من جديد؟
بالرجوع إلى الخلف لمدة أربعين عاماً، هي عمر الثورة الإيرانية، لا نجد في سجلات التاريخ مساندة حقيقية واقعية من طهران وملاليها للقضية سوى الشعارات الزاعقة، وتكريس الأيام الهلامية لنصرتها، والتمسح باسمها عبر إنشاء فيلق يُدعى القدس ضمن صفوف «الحرس الثوري»، وعوضاً عن أن يكرس جهوده لتحرير الأرض، يُستخدم في تدبير الخطط والمعارك الميليشياوية لفرض الهيمنة على الدول العربية المجاورة، عبر احتلال عقائدي أول الأمر ولوجيستي في نهايته.
تغريدات خامنئي الأخيرة قادت وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، إلى التساؤل «عن أي مساعدات قدمتها إيران للشعب الفلسطيني يتكلم المرشد؟». ويذكر بالأرقام أن إيران منذ عام 2008 لم تمد يدها للفلسطينيين إلا بمقدار 20 ألف دولار، في حين أنها أغدقت ملايين الدولارات على «حماس»، باعتبارها إحدى أذرعتها ووكلائها المنتشرين في المنطقة.
يحاول خامنئي قطع الطريق على أي مستقبل لحلول سلمية للقضية الفلسطينية، حتى وإن طال الوقت، وعوضاً عن حث الفلسطينيين على عرض قضيتهم على العالم بطريقة تُكسبهم المزيد من التأييد الأممي لعدالة مطالبهم، وأولاها الدولة المستقلة واسترجاع الحقوق المنصوص عليها في الشرائع والقوانين الدولية، يتطلع لأن يجعل منهم دروعاً بشرية حال القارعة مع الغرب، وأداة عسكرية في وجه إسرائيل، ما يعني أن على الفلسطينيين دفع فاتورة معارك لا تخصهم، ولصالح طرف لم يطلق طوال أربعة عقود رصاصة واحدة على الجانب الإسرائيلي.
رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية يعلن أن وفداً قيادياً كبيراً من الحركة يزور طهران، ويعرب عن أمله أن تحقق هذه الزيارة نتائج مهمة، دون تقديم توضيحات بشأن هدفها.
أما نائب رئيس المكتب صالح العاروري، فيرى من طهران أن «(حماس) في خط الدفاع الأول عن إيران». وحسب وسائل إعلام إيرانية، قال: «نعلن تضامننا مع الجمهورية الإسلامية، ونؤكد أن أي عمل عدائي ضد إيران هو عمل عدائي ضد فلسطين والمقاومة، ونحن نعد أنفسنا الخط الأمامي لدعم إيران»، حسب تعبيره.
يحق لنا التساؤل: بأيِّ حقٍّ تحمِّل «حماس» جماهير الشعب الفلسطيني هذا الاستحقاق غير العقلاني واللامنطقي؟ وأيُّ فائدة تعود على القضية في عيون الذين يدعمونها حول العالم ويرونها قضية عادلة بالمطلق في مواجهة نير الاحتلال الإسرائيلي، وهؤلاء تتزايد أعدادهم يوماً تلو الآخر، وعلى غير المصدق أن ينظر إلى حالات الرفض والمقاطعة لإسرائيل في دول أوروبية بعينها، وحتى في الداخل الأميركي، وقد بات خوف القيادات الإسرائيلية الحالية من أن تصحو ذات يوم قريب على أميركا مغايرة، أميركا حيث جماعات عرقية وتيارات سياسية ترفض الدعم المطلق للاحتلال في الحال والاستقبال؟
لا يهم الملالي أبداً مستقبل الشعب الفلسطيني، وجلّ الغرض البراغماتي هو تسخيرهم لدفع أثمان باهظة لا قِبَل لهم بها، حال الاشتباك مع الجانب الإسرائيلي الذي لا يعرف سوى الضربات الباطشة التي يروح ضحاياها الأبرياء.
يصف خامنئي خطة السلام الأميركية الرامية إلى إنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأنها «مؤامرة خطيرة»، ونحن نتساءل: ما الحل البديل لديه، أم أن مجرد الحديث عن السلام بين الجانبين يعد بالنسبة إلى المرشد أسوأ كابوس يمكن أن تأتي به الأقدار لطهران؟
يجاهر خامنئي علناً بأن الفلسطينيين، حتى سنوات قليلة، كانوا يقاتلون بالحجارة، أما الآن فيمتلكون صواريخ فائقة الدقة... ويرى أن هذا يعطي «إحساساً بالتقدم»... هل نحن إزاء اعتراف صريح بالدور العسكري لإيران في الداخل الفلسطيني؟ وهل هو دور يحل الأزمة أم يعقّد القضية ويباعد الحل؟
الخلاصة: إيران تهرب من أزمتها الداخلية إلى بر القضية الفلسطينية، غير أن الهروب ومن جديد لن يفيد.