ليونيد بيرشيدسكي
TT

روسيا توجه علماءها بالابتعاد عن الأجانب

ترغب الحكومة الروسية في أن يستعيد العلماء الروس المكانة الرفيعة التي اعتادوا التمتع بها في ظل الحقبة السوفياتية ـ لكن مع الخضوع في الوقت ذاته لقيود شبيهة لما كان يفرضه عليهم الاتحاد السوفياتي. إلا أنه لا يبدو أن أياً من الأمرين محتمل الحدوث فعلياً.
في وقت سابق من الأسبوع، كشف ألكسندر فرادكوف، العالم المعني بأنظمة التحكم، أن وزارة العلوم الروسية بعثت إلى المراكز البحثية بمختلف أرجاء البلاد مجموعة من التعليمات الجديدة، التي أقرت في فبراير (شباط). وتنظم القواعد التي وافق عليها الوزير، ميخائيل كوتيوكوف، الاتصالات بين الأكاديميين الروس ونظرائهم الأجانب. وتتطلب القواعد الجديدة من الروس إخطار الوزارة مسبقاً بخطط الاجتماعات، وبمحتوى هذه الاجتماعات بعد انعقادها. ويتطلب عقد اجتماع خاص بين عالم روسي وزملاء أجانب له خارج ساعات العمل المقررة، تصريحاً من إدارة المركز الذي يعمل به. ومن بين القواعد شديدة السخافة إلزام المؤسسات البحثية الروسية بمصادرة الأجهزة الإلكترونية للزملاء الأجانب الزائرين، بما في ذلك الساعات.
وتحمل هذه القواعد أصداء القيود التي كانت مفروضة أثناء الحقبة الشيوعية والتي كانت تجري مراقبة الالتزام بها بصرامة، خاصة فيما يخص مسؤولين وأكاديميين متهمين بالعمل لحساب وكالات استخباراتية أجنبية. وكان يتعين على هؤلاء العلماء الإبلاغ بأدق تفاصيل اتصالاتهم مع الأجانب.
وفي خطاب مفتوح إلى الوزير، كتب فرادكوف: «مثل هذه القواعد السخيفة التي يتعذر تطبيقها لن تحسن مستوى الأمن لدينا، ولن تسفر سوى عن فرض عزلة متنامية ضدنا من قبل الدول المتقدمة. كما أنها ستشوه صورة السلطات في بلادنا، وتزيد مهامنا التي حددها لنا الرئيس لتحقيق ريادة أكاديمية، تعقيداً».
بالفعل، أبدى الرئيس فلاديمير بوتين عزمه على استعادة المجد الأكاديمي الروسي الذي ضاع بعد هجرة 20 ألف عالم روسي على الأقل وعدد لا يحصى من المهندسين إلى خارج البلاد خلال عقد التسعينيات. ومن بين «المشروعات الوطنية» التي أقرها بوتين العمل على تحقيق قفزة في عدد ومستوى جودة الأبحاث العلمية الروسية. جدير بالذكر أن الميزانية العلمية لست سنوات بدءاً من عام 2018 تبلغ 636 مليار روبيل (9.6 مليار دولار) ـ رقم مبهر. ويحدد المشروع مؤشرات معينة لتقييم الأداء، مثل نصيب روسيا من الإنتاج العالمي من الأبحاث تبعاً لأعداد الأوراق البحثية المنشورة في دوريات علمية مرموقة ومقدمة أمام مؤتمرات، أو عدد المؤسسات البحثية «ذات المستوى العالمي».
وقد أقر بوتين أهدافاً من هذه النوعية منذ عام 2012 عندما عاد للرئاسة بعد فترة كُمون لمدة أربع سنوات. إلا أنه حتى هذه اللحظة، لم تحقق روسيا أهدافها.
من بين الأهداف الأخرى التي أقرها بوتين عام 2012 كان دفع خمس جامعات روسية على الأقل إلى داخل قوائم أفضل 100 جامعة بالعالم، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن.
اللافت أن جزءاً كبيراً من التحسن الفعلي الذي طرأ على النشاط البحثي الروسي كان نتاج تعاون بين مؤسسات روسية وجهات تمويل من الولايات المتحدة وألمانيا ودول غربية أخرى، حسبما خلصت ورقة نشرتها مجموعة من الباحثين التابعين للأكاديمية الروسية للعلوم، العام الماضي. واليوم، تأتي القواعد الجديدة التي أقرها كوتيوكوف لتضرب هذا التعاون في مقتل.
وفي تعليقه على هذه القواعد قال السكرتير الصحافي لبوتين ديمتري بسكوف: «بالطبع، على المرء إظهار بعض اليقظة لأن أجهزة المخابرات الأجنبية ليست نائمة في عملها، ولم يتخل أحد عن التجسس العلمي والصناعي. هذا يحدث على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ويستهدف علماءنا، خاصة الشباب منهم».
إن عدم اتباع نصيحة الكرملين بشأن اليقظة يمكن أن يكون له عواقبه الوخيمة. من وقت لآخر يتعرض الأكاديميون الروس للسجن بزعم تسليمهم مواد حساسة للممولين وللزملاء الأجانب. وتشير رسالة فرادكوف إلى إحدى هذه الحالات، وهي حالة الفيزيائي فيكتور كودريافتسيف الذي اتُّهم بالخيانة العام الماضي بسبب عمله في معهد أبحاث بلجيكي. تعد قواعد «كوتيوكوف» بمثابة تذكير آخر للعلماء الروس بالمفاضلة التي يجب عليهم اتباعها بها حال بقوا في روسيا وقرروا المشاركة في مشروع بوتين للتحديث. فالدولة مستعدة للاستثمار في الأبحاث - ولكن في المقابل، يجب أن يكون التركيز على مصالح الدولة أولاً وقبل كل شيء.
يجب أن يُظهر ذلك لبوتين ووزرائه أن المقايضة غير مقبولة عالمياً، إذ إن الحصول على مكانة أعلى في الأوساط الأكاديمية العالمية يتطلب الانفتاح المؤسسي على العالم. وفي غياب ذلك، سيستمر الباحثون في الاستفادة من حدود روسيا المفتوحة نسبياً.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»