حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«كوكتيل» أحداث حول العالم

تتفاعل الأحداث حول العالم ببطء ليشكل أحدها نقطة تحول كبرى. هكذا علّمتنا السنوات السابقة. وهناك أحداث تتشكل اليوم قد تكون نواة لعوامل تغير جوهرية.
سوريا التي حوّلها نظامها الحاكم إلى جمهورية ذات ملكية خاصة، وباتت تُعرف بسوريا الأسد تشهد واقعاً جديداً يجعل اسمها المقبول اليوم سوريا بوتين. فالتغيير الذي تفرضه روسيا على الأرض يؤكد أن هناك قواعد جديدة للعبة ستكون لها الكلمة الأولى والفيصل. وتعتمد روسيا في خطتها على ولاء المؤسسة العسكرية السورية لها (وليس على جهاز الاستخبارات السورية المعروف بولائه لإيران). هذا الدور المتعاظم جعل لروسيا أكثر من قاعدة عسكرية على البحر المتوسط في سوريا (بشروط روسية تامة)، وهذا الوضع أيضاً هو الذي سمح لها بأن تطلب من إيران، بعد أن أنقذت حليفها نظام الأسد، قاعدة عسكرية على مياه الخليج العربي، وهذان كانا من أحلام روسيا من قبل كما هو معروف.
صحافة إسرائيل تشير اليوم إلى أن أميركا بصدد رفع يدها من الشرق الأوسط «للتفرغ» لمواجهة تحدي الصين المتعاظم. هكذا تؤكد صحيفة «هآرتس» في قراءة وتحليل مهم ومثير.
في اليمن الوضع مستمر في التوتر والتأجيج؛ المطالبات بفصل الجنوب مستمرة وهناك لدى البعض منطقهم لهذه المطالبة، فمنذ حراك رابطة الجنوب العربي الحر التي بدأت نضال التحرير للجنوب العربي ضد بريطانيا على يد المؤسس للحركة محمد الجفري، وبعد استقلال الجنوب الذي تم اختطافه على أيدي الحراك الشيوعي الاشتراكي مدعوماً من المعسكر السوفياتي (ممثلاً في شخص عبد الفتاح إسماعيل) الذي يقال إنه مات متفحماً في دبابة أو متفجراً من صاروخ في انقلاب الثمانينات الميلادية، أو مدعوماً بالمعسكر الشيوعي الصيني ممثلاً في شخص سالم ربيع علي الذي قضى بالإعدام ومعهم علي سالم البيض وعلي ناصر محمد اللذان نجوا فراراً، وهذا لا يلغي بصمات روسيا حالياً، وكما كانت قديماً فهي دعمت جمال عبد الناصر في تدخله باليمن وأيّدت الكيان الجنوبي وقت استقلاله وضمّته إلى المعسكر السوفياتي. والآن لها موقف داعم للحوثي ولا تمانع في استقلال الجنوب.
هناك إحساس بالمظلومية لدى أهل الجنوب؛ إحساس متزايد بأنهم تم «احتواؤهم» وتمت «يمننة» الجنوب وسلبهم حقوقهم، رغم ثقافتهم المختلفة عن الشمال. إلا أن القصة الآن لا تحتمل الانفصال قبل إنهاء انقلاب الحوثي، خصوصاً مع تدخل إيران العلني ومن قِبل أعلى سلطة في الحكم وعن طريق المرشد نفسه مما يتطلب توحيد الجهود للخلاص من الخطر الأسوأ الذي يهدد دولة الجنوب الموعودة وشرعية اليمن نفسه وأمن دول الجوار.
أيضاً في بريطانيا قناعة متزايدة بأن البلاد ستخرج من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، وأن آخر شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهي المهلة المحددة من قِبل الاتحاد الأوروبي لبريطانيا قبل الخروج ستعقبها ثاني يوم مباشرة انتخابات برلمانية عامة لامتصاص الغضب الشعبي بسبب «بريكست» الخالي من الاتفاق والذي سيكلف حياة البريطانيين أثماناً باهظة جداً.
الصين «أعدّت» نفسها لامتصاص الضرائب الأميركية الباهظة بتعديل سعر عملتها، ورفع التكلفة على منتجات أميركية، وتوجيه السلع الصينية إلى أسواق أخرى، والرد الأميركي سيكون بدعم التصعيد الحقوقي في هونغ كونغ وتايوان والإيغور والتبت. وكذلك تعزيز الدعم للحراك مع كوريا الشمالية لإغرائها بالابتعاد عن حضن الصين الشيوعي بإغراءات هائلة تماماً كما فعل كينسغر من قبل مع دينغ في الصين.
وعالمياً هناك يقين بأن الأسواق مقبلة على ركود اقتصادي، وهو الأمر الذي سيهدد بعض الدول وسيلقي بظلاله على الانتخابات الأميركية القادمة. كل هذه الأحداث فيها خيط مشترك وهو حراك القوى الكبرى لكسب نفوذ ومواقع أكبر، وعندما تتصارع الفيلة يموت العشب - كما يقول المثل الهندي.