شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

هل تتدخل إسرائيل ضد إيران في العراق؟

في 12 أغسطس (آب) ، وقع انفجار في مستودع للذخيرة داخل قاعدة الصقر العسكرية جنوب بغداد، ما أدى إلى إطلاق المئات من قذائف الهاون والصواريخ في مختلف الاتجاهات بالمناطق الحضرية المأهولة بالسكان. قُتل شخص وأصيب 29 آخرون، حيث انتشرت الذخيرة والحطام على بعد 5 كيلومترات.
كانت القاعدة مقرا للشرطة العراقية وعلى الأقل لاثنتين من ميليشيات «قوات الحشد الشعبي» المدعومة من إيران، و«كتائب سيد الشهداء» و«خطيب جند الإمام». على الرغم من أن التقارير الأولية أشارت إلى أن الانفجار ربما يكون بسبب سوء تخزين الذخائر والطقس الحار في الصيف، فإن التقارير الحديثة وصور الأقمار الصناعية أشارت إلى أن غارة جوية دقيقة كانت السبب وراء ذلك وأنه من المحتمل أن تكون من جانب إسرائيل.
إن صح ذلك، ستكون هذه هي الضربة الجوية الإسرائيلية الثالثة المحتملة على أهداف عسكرية مرتبطة بإيران في العراق خلال شهرين بعدما ضربت انفجارات غامضة مواقع لتخزين الأسلحة في «معسكر أشرف» في 28 يوليو (تموز) وقاعدة أخرى تابعة للقوات العسكرية الإيرانية في «العامري» في 19 يوليو، حيث قتل إيرانيان اثنان. ربما وقعت ضربة رابعة في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، عندما انفجر مستودع في كتائب «حزب الله» في طوز خورماتو. وقبل ذلك لم تتعامل إسرائيل عسكريا في العراق منذ عام 1981.
بعد ثلاثة أيام من انفجار 12 أغسطس في جنوب بغداد، أمرت الحكومة العراقية بإلغاء جميع الرحلات الجوية التي تعبر المجال الجوي العراقي، ما لم يأذن الجيش العراقي بذلك. حدد الأمر الأنشطة الجوية التي تشمل الاستطلاع أو استخدام الطائرات المقاتلة أو الطائرات من دون طيار أو طائرات مروحية. وزادت طبيعة هذا الرد من الشكوك في وقوع بعض الضربات الجوية.
وكما بينت تلك الأحداث، فإن إسرائيل دخلت بالفعل في جبهة جديدة تقوم بإجراءات ضد إيران في العراق. وقد علمت المخابرات الإسرائيلية منذ أكثر من عام أن إيران بدأت في نشر أنظمة صاروخية وصواريخ باليستية متطورة في الأراضي العراقية، بعضها يتمركز هناك بشكل دائم والبعض الآخر يجرى إرساله برا إلى سوريا ولبنان. حتى إن بعض التقارير، أشارت إلى أن إيران تدير مصانع صواريخ تعود إلى عهد صدام في الزعفرانية قرب بغداد، وفي جرف الصخر قرب كربلاء، وفي كردستان العراق بغرض تصنيع ذخائر جديدة من الصفر وتجميع صواريخ باليستية يجري تهريبها إلى بلد على هيئة مكونات تستخدم في صناعة الصواريخ لاحقا. كانت هذه ذاتها التسهيلات هي نفسها التي يقال إن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أثارها خلال اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مايو (أيار) 2019.
للوصول إلى العراق، كان من شبه المؤكد أن إسرائيل استخدمت طائراتها الحربية من طراز F - 35 «Adir»، التي توفر قدرات متقدمة غير مرئية ومدى يجتاز سوريا ويدخل المجال الجوي العراقي من دون أن يكتشف. ومن المثير للاهتمام أن قائد سلاح الجو الإسرائيلي، عميكام نوركين، اعترف لأول مرة في مايو 2019 بأن طائرات طراز «إف 35» الإسرائيلية كانت في ذلك الوقت تقوم بمهمتين قتاليتين فقط على جبهتين مختلفتين، إحداهما شملت رحلة جوية فوق العاصمة اللبنانية بيروت، وربما كانت المهمة الثانية هي «منشأة خطيب حزب الله» في «طوزخورماتو» العراق في نوفمبر 2018.
إن قرار إيران توسيع بنيتها التحتية للصواريخ والقذائف إلى ما بعد لبنان وسوريا يتناسب تماماً مع استراتيجية التعزيز الإقليمي الحالية والتي يبدو أنها تركز ليس فقط على تقوية انتشارها الواسع ومدى التأثير، ولكن أيضا على تعزيز حجم قدراتها العسكرية والوصول إليها.
في سوريا، كانت تلك الخطوة التالية أكثر تحديا؛ نظرا لحرية العمل التي تتمتع بها إسرائيل هناك، لكن الديناميكيات كانت أكثر مواتاة في لبنان والعراق، حيث يعني عدم وجود آليات لوقف النزاع وتصعيد الوضع أي مخاطر لعمل عسكري إسرائيلي كبير. إن تأجيج التوترات الكارثية في دوامة من الصراع لا يمكن السيطرة عليه هو السيناريو الذي تريد إسرائيل تجنبه.
وإدراكا منها للقيود المفروضة على عمل إسرائيل في العراق، يبدو أن إيران اختبرت حريتها في العمل خلال التوترات المتصاعدة هذا الصيف. فقد شنت إيران اعتداءات خارجية بطائرات من دون طيار في مايو من قاعدة كتائب «حزب الله» في منطقة جرف الصخر، في حين جرى إطلاق سلسلة من الصواريخ على مقاولي الدفاع الأميركيين في العراق وعلى حقول النفط في البصرة في يونيو (حزيران) من داخل العراق.
يمثل هذا الموقف تحديا كبيرا للحكومة العراقية التي تعتمد بدرجة كبيرة على إيران في القضايا الأمنية والاقتصادية، بينما تواجه ضغوطا دولية شديدة لكبح جماح قوات الدفاع الشعبية وتقييد وصول إيران إلى الجيش وغيره من الأسلحة التابعة لسلطة الدولة.
تزعم بعض التقارير الإسرائيلية الأخيرة أن سلسلة من الاجتماعات السرية قد عقدت بين المسؤولين الإسرائيليين والعراقيين، التي من المفترض أن تركز على القضايا المتعلقة بإيران. كان من المفترض أن تكتمل محاولة بغداد سحب قوات الدفاع الشعبية تحت وصاية الجيش بحلول 31 يوليو، لكن يبدو أنه قد جرى تأجيلها بشكل غير مفاجئ منذ رحلة رئيس الوزراء الأخيرة إلى طهران في أواخر يوليو.
إن التوسع النوعي لإيران في العراق يضع الولايات المتحدة في موقف حرج؛ إذ على الرغم من أن إدارة ترمب تقدم نفسها خصما قويا للتوسع الإيراني في الشرق الأوسط، فإن واشنطن ليست لها مصلحة في إضعاف أو عزل أو حتى مهاجمة الحكومة العراقية لأن القيام بذلك من شأنه أن يعزز من وضع إيران؛ لذلك من المحتمل أن تواصل إيران تعزيز موقعها في العراق وتعزيز قدرتها تدريجيا على ممارسة القوة العسكرية بصورة تقليدية وغير تقليدية، من داخل العراق تجاه إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
* خاص بـ«الشرق الأوسط»