د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

تركيا وتأجيج الصراع في ليبيا

التدخل التركي في ليبيا، أصبح حالة غزو سافر ومستفز، بعد شروع تركيا بإنشاء قواعد عسكرية للطائرات المسيرة في مصراتة وطرابلس، من أجل مناصرة جماعة «الإخوان»، المرتبطة آيديولوجياً بالتنظيم الدولي في تركيا، والمرفوضة من غالبية الشعب الليبي.
فما تفعله الحكومة التركية، في ليبيا يعتبر جريمة مكتملة الأركان، بالتدخل في شأن دولة ذات سيادة، وعضو في الأمم المتحدة، وبخاصة بعد تهديد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار وإعلانه أن أنقرة سترد على أي هجوم تنفذه قوات الجيش الليبي ضد «المصالح التركية في ليبيا»؛ الأمر الذي يعتبر خرقاً واضحاً للقانون الدولي، وتهديداً صريحاً لجيش وطني.
التدخل التركي في ليبيا هو أشبه بحالة غزو لدولة ذات سيادة من أجل الاستحواذ على الثروات الليبية، وكما أكد أوتن أورجان، الخبير في مركز دراسات الشرق الأوسط، بقوله إنه «بالإضافة للنفط والغاز، فإن تركيا تطمح لبسط سيطرة شركاتها على العقود الاقتصادية في ليبيا»؛ الأمر الذي يفسر الإصرار التركي على التدخل في الشأن الليبي، ليس فقط بسبب الأطماع الاقتصادية والمالية، بل أيضاً بأسباب آيديولوجية، جمعتها مع تنظيم جماعة «الإخوان» في ليبيا.
لقد استغلت تركيا حالة الفوضى في ليبيا بسبب إسقاط الدولة الليبية جراء تدخل حلف الناتو، وانخرطت في الأزمة الليبية، عبر إرسال السلاح والعتاد، بل وحتى المقاتلين الفارين من سوريا والعراق، وغدت مأوى وملاذاً للجماعات الليبية «الإخوان» و«المقاتلة»، الذين ارتبطوا معها بعلاقات كبيرة، وبخاصة الجماعة الليبية المقاتلة (فرع القاعدة الليبي) كعبد الحكيم بلحاج وعبد الوهاب القايد وسامي الساعدي مفتي الجماعة المقاتلة المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولا تخفي الولاء له، وخالد الشريف قائد الجناح العسكري للجماعة.
خمسة ملايين رصاصة أرسلتها تركيا إلى ليبيا، بمعدل رصاصة لكل ليبي، عبر سفن تهريب السلاح والعتاد، فالدعم العسكري التركي للميليشيات في طرابلس يعتبر خرقاً لقرارات مجلس الأمن، بحظر توريد السلاح إلى ليبيا منذ عام 2011، والتي تحولت إلى مجاهرة علنية بتزويد الميليشيات بالسلاح، بعد دخول تركيا طرفاً مباشراً في الحرب، وجاهر إردوغان نفسه بأنه من أرسلها إلى طرابلس لدعم أنصاره من جماعة «الإخوان»، وليس دعماً لحكومة شرعية كما يزعم، فالجيش الليبي بقيادة المشير حفتر هو المعترف به قبل البرلمان الليبي الشرعي، على العكس من حكومة «الوفاق» التي تعتبر غير دستورية فمجلس النواب المنتخب من قبل الليبيين لم يعطِ الشرعية بعد لهذه الحكومة المفروضة من خارج ليبيا.
أمام التدخل التركي السافر في ليبيا، ليس أمام الجيش الليبي سوى الدفاع عن سيادة وطنه وحدوده؛ ولهذا باشرت القوات المسلحة العربية الليبية بضرب القواعد التركية في الكلية الجوية بمصراتة، وزوارة؛ فتركيا تتدخل في الأزمة الليبية منذ إسقاط الدولة الليبية في فبراير (شباط) 2011، واستمر التدخل حتى ظهر بشكل قتال مباشر منذ عام 2014 مع الجماعات الإرهابية في بنغازي ودرنة وغيرها من المدن.
تركيا إردوغان التي تناصب الليبيين العداء وتحاربهم بميليشيات «الإخوان»، كانت بالأمس القريب حليفاً للقذافي وشريكاً اقتصادياً، فقد كشف أحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، عن أن إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) حصلا على 30 مليار دولار عقوداً استثمارية، ودعماً لهما للوصول إلى الحكم والسلطة في تركيا والفوز بالانتخابات البرلمانية.
إردوغان الذي تلاحقه الهزائم السياسية والعسكرية في سوريا وليبيا، كانت قد هزمته بلدية إسطنبول؛ مما فاقم حالة العزلة التي يحاط بها، ويحاول الهرب منها إلى الأمام، بحشر أنفه في الأزمة الليبية بقوة، وقضايا المنطقة العربية برمتها، ضمن مغامرته وحلمه بعودة العثمانية الثانية.