علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

مسؤول عربي

منذ نحو خمس عشرة سنة عين مسؤولا عربيا على رأس هيئة استثمار، وبعد مضي ستة أشهر على تعيينه، دعا عددا من الصحافيين وكنت من ضمن المدعوين على مائدة الغداء، بمعنى آخر «غداء عمل»، وكان الهدف من الاجتماع إطلاع الصحافيين على خطة المنشأة في جذب الاستثمار لهذا البلد العربي.
لا أخفيكم القول إن الاجتماع كان وديا للغاية، وبعد شرح رؤيته الاستثمارية وتبين الهدف منها وجدولها الزمني الذي كان مقنعا لحد ما، بدأ يدور النقاش حول طرق الاستثمار ومساعدة المستثمرين وتسهيل مهمتهم، التي بالطبع تولد الوظائف وتجعل رأس المال يستقر في البلد، وذكر مسؤولنا العربي بكل فرح أنه ساعد مستثمرين على فتح مشروعهم في قرية عربية... سألت عن هذا المشروع ونوعيته، فأبدى المسؤول العربي تحفظا مذهلا عن ذكر المشروع ونوعه، وأردف قائلا إن أنجح المشاريع ما يكمل النقص، وهذه قاعدة أبجدية في الاستثمار، فكلما كانت المشاريع تسد نقصا ضمن لها النجاح.
بصفتي صحافيا هذه الإجابة لم تقنعني، وأصررت على معرفة نوع المشروع. وتحت إصراري ونظرات زملائي الصحافيين المستغربة من هذا التحفظ، ذكر أنه ساعد مستثمرات على فتح مشغل نسائي في قرية عربية.
هذا المشروع لا تتجاوز كلفته 100 ألف ريال (26.6 ألف دولار أميركي). بدا في نظراتي الاستغراب من تفاهة المشروع، وكذلك ظهر ذلك على وجوه زملائي الصحافيين، فبدأ المسؤول العربي يبرر أن ذلك جزء من عملهم وهو تسهيل مهمة المستثمرين حتى البسطاء منهم، وأن ذلك لا يتناقض مع مساعدة المستثمرين الذين يضيفون للبلد قيمة مضافة، مثل توطين التقنية عبر مساعدة المستثمرين في مجالها، وكذلك مساعدة المستثمرين الصناعيين على الاستثمار ومساعدتهم على توطين الصناعة. وهذا كلام جميل وصادق من الناحية النظرية، ولكنه يحتاج لخطة عمل جادة وكذلك تذليل كل المعوقات القانونية التي تقف عائقا في وجه المستثمرين.
المهم خرجنا من غداء العمل فتحلق عليّ زملائي الصحافيين وسألوني ماذا ستكتب غدا؟ قلت وبكل بساطة سأقول: مسؤول تافه لا يملك رؤية، وسيفشل إذا كان عظيم فرحه ينصب على مشروع كهذا.
الغريب في الأمر أن زملائي الصحافيين رجوني رجاءً حارا أن أنتظر ولا أكتب ذلك من باب إعطاء هذا المسؤول فرصة بصفته جديدا على الموقع... لا أعرف لماذا استسلمت لرغبة زملائي من باب إعطاء الفرصة.
بعد ذلك انشغلت في عملي الذي لا يهدأ، ولم أعد أتابع عمل هذه المنشأة. وأصدقكم القول إنني لم أتأسف على شيء مثل هذا، وأنني لم أكتبه في وقته، وذلك أن مسؤولنا العربي فشل في مهمته فشلا ذريعا، ومشاريع منشأته تعثرت، ويبدو أنه اهتم ببناء جيبه أكثر من اهتمامه ببناء وطنه الذي سخرت له دولته أموالا طائلة حتى يتم مشاريعه. وفي النهاية أقيل مسؤولنا العربي من منصبه وتدخلت دولته في مشاريع الوطن وأتمتها حتى أصبحت ظاهرة للعيان.
يا ترى، كم مسؤولا عربيا مثل هذا يهتم بتوافه الأمور ويترك عظائمها ويهتم بجيبه قبل وطنه؟ استعرضوا مسؤوليكم، وأتمنى ألا تجدوا مثل هذا المسؤول العربي، وإن كنت أشك في ذلك.