سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

السباق إلى قصر قرطاج لن يخلو من مفاجآت!

دخل السباق الرئاسي إلى قصر قرطاج مرحلة الضرب تحت الحزام، وربما يكون قد تجاوزها إلى مرحلة متقدمة، هي مرحلة تكسير العظام. وليس هذا غريباً على كل حال، فالعالم كله يعرفه في كل انتخابات تجري في أي عاصمة، كما أن السباق في تونس هو على كرسي الرئيس، وليس على مجرد مقعد في برلمان!
وكان توقيف نبيل القروي، أحد أكبر المرشحين، ورجل الأعمال المعروف، من بين علامات الوصول إلى هذه المرحلة من مراحل الصراع. ثم كان حبسه مع شقيقه، وتجميد أموالهما، وحظر سفرهما، جرعة مضافة من الإثارة في طريق السباق!
فالرجل صاحب أعمال كبيرة في بلده وفي خارجها، وهو يملك قناة فضائية وصفت توقيفه بأنه عملية اختطاف من جانب الحكومة، وعنده جمعيات خيرية تعمل على نطاق واسع، وقد كان يراهن عليها بالضرورة في حشد وحصد الأصوات داخل صناديق الاقتراع!
ولا أحد يعرف ما إذا كان القروي سيكون على لائحة المرشحين عند صدور نسختها النهائية مساء بعد غد أم لا، وإنْ كان حديث نبيل بافون، رئيس اللجنة العليا المستقلة للانتخابات، بعد قرار التوقيف
بساعات، يشير إلى أن القائمة النهائية يمكن جداً أن تضم اسم القروي، رغم قرار التوقيف، ورغم قرار الحبس مع الشقيق، فرئيس اللجنة يقول إن الاسم سيبقى على لائحة المرشحين، ما لم يصدر في حق صاحبه حكم بات ونهائي!
وفي الوقت نفسه، فإن محكمة الاستئناف التي أصدرت قرار الحبس، قالت إن من حق الرجل أن يتقدم بنقض على القرار في أجل يصل إلى عشرة أيام!
ومَنْ يدري؟! فربما يمثل القرار دعاية انتخابية مجانية لصاحبه على نطاق واسع في آخر المطاف، وهي دعاية لم تكن لتتحقق لو مضت الأمور بالنسبة له في سبيلها العادي، شأن باقي المرشحين الذين يتنافسون معه على الكرسي ذاته!
والحاصل أن المتابع المدقق في خريطة المرشحين يشعر بأنها تضم خمسة أسماء، لن يخرج الرئيس الجديد عنهم في الغالب، بدءاً من يوسف الشاهد، وعبد الكريم الزبيدي، ومروراً بعبد الفتاح مورو، ونبيل القروي، وانتهاءً بالمنصف المرزوقي، ومع ذلك، فالمفاجآت واردة وقائمة!
ولائحة الأسماء الخمسة لا تمنع طبعاً من أن هناك أسماء أخرى ذات وزن سياسي نسبي، ومن بينها على سبيل المثال: السياسي مهدي جمعة، رئيس الحكومة السابق، الذي كان أول مرشح يطرق باب اللجنة العليا في أول أيام الترشح، وكذلك الحمادي الجبالي، رئيس الحكومة السابق أيضاً!
وربما نذكر أن حركة «النهضة» الإسلامية التي تملك نصيباً في الحكومة الحالية، وفي البرلمان أيضاً، كانت قد اشترطت على الشاهد عند تشكيل هذه الحكومة، أن يختار بين أن يرأسها وبين أن يترشح في السباق الرئاسي، وقد اختار الرجل وقتها أن يرأس الحكومة، بما كان يعني ضمناً أنه لن ينافس على كرسي الرئيس، ولن يخوض السباق!
غير أن ما حدث مع فتح باب الترشح كان مفاجئاً؛ لأن الشاهد الذي ظل إلى اللحظات القليلة السابقة على إغلاق باب الترشح، يتكلم عن أنه يدرس الفكرة وأنه يقيم الموقف، قد فاجأ الحركة قبل أن يفاجئ غيرها بترشيح نفسه وطرح اسمه في بورصة الأسماء!
والشيء غير المفهوم حقاً، أن «النهضة» لم تراجعه فيما فعل، ولم تشأ أن تلفت انتباهه إلى أنه أخلف وعده معها، ولا حتى أثارت القضية على أي مستوى. وكل ما فعلته أنها بادرت بطرح اسم عبد الفتاح مورو، نائب رئيسها، في السباق إلى القصر!
ويبدو أنه أحس مسبقاً بأن الوعد القديم يمكن أن يكون موضوعاً لحديث عنه كثير أو قليل، وأن ذلك الوعد من جانبه يجوز أن يصبح في مرحلة من مراحل الدعاية الانتخابية، محلاً لمزايدة سياسية تؤثر على مركزه الانتخابي في أثناء فترة الدعاية الانتخابية، وتشوّش على اسمه، فلم ينتظر، وإنما سارع بأن جعل الزمام في يده، وتجلى ذلك في قراره بالتنازل المؤقت عن رئاسة الحكومة لأحد وزرائها، والتخلي عن الجنسية الفرنسية التي كان يحملها، رغم أن أحداً لم يطالبه بالتخلي عنها!
فهل تدعمه الخطوتان وتقوي مركزه؟! سوف يحدث هذا في الغالب، وسوف يدعمه صغر سنه كذلك، بمثل ما سوف يدعمه أنه كان قبل شهور قد اختار مدينة المنستير، مسقط رأس الحبيب بورقيبة، للإعلان عن إطلاق حزب «تحيا تونس» الذي إذا لم يكن يرأسه بشكل رسمي، فهو يظل أكبر اسم فيه!
يدعمه هذا كله، بمثل ما سوف يدعم الزبيدي أنه صاحب مسؤوليات تنفيذية سابقة، وأنه كان وزيراً للدفاع إلى أيام مضت، وأنه آخر المسؤولين الذين ظهروا في صورة منشورة مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، وأنه يملك سجلاً شخصياً نزيها ونظيفاً!
وبمثل ما سوف يدعم مورو أن وراءه حركة «النهضة»، بكل أعضائها الفاعلين فيها، وبكل المتعاطفين معها، وبكل القوى السياسية التي يمكن أن تتحالف معها في العلن أو من وراء ستار!
وبمثل ما يدعم المنصف المرزوقي أنه صاحب تجربة رئاسية سابقة، وأنه ينتمي إلى اليسار الذي ينحاز بطبيعته إلى البسطاء ويميل إلى الفقراء، وأنه إذا كان قد فاته شيء في التجربة السابقة، فسوف يستدركه بالضرورة في التجربة اللاحقة، وأن ابتعاده عن الصورة طوال سنوات وجود السبسي في القصر، قد أتاح له أن يرى زوايا الصورة على نحو أوضح!
وبمثل ما سوف يدعم القروي أن استطلاعات رأي وضعته في مرتبة متقدمة على الشاهد، وربما يرجع ذلك إلى أنه قدم لنفسه في أنحاء البلاد، كثيراً من الأعمال الأهلية، مضافاً إليها مظلومية الحبس التي ستوظف نفسها تلقائياً في خدمته، إذا لم يوظفها هو، والتي ستكون في صفه بالتأكيد، وفي صف حشد الأصوات لصالحه، ما لم يصدر في حقه حكم قضائي نهائي يبعده عن مضمار السباق!
ورغم أن وراء كل واحد من هؤلاء الخمسة الكبار ما يدعم فرصته، فإن أحداً لا يستطيع القطع بأن فلاناً منهم بالذات أو من خارجهم، هو صاحب النصيب الذي سيجلس على مقعد السبسي الرئاسي، فهناك صعوبة واضحة أمام الذين يقعون في غرام التخمين، أو يمارسون قراءة الفنجان، بناء على ما هو ظاهر للعيون. وهذه النقطة على وجه التحديد، نقطة صعوبة تخمين اسم الفائز، هي التي تجعل المراقب للعملية كلها من بعيد، يشعر بأنه أمام انتخابات حقيقية إلى مدى بعيد!
فليست انتخابات تلك التي يمكنك أن تتعرف على اسم الفائز فيها مسبقاً!