زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

سرداب الملك سيتي

من غرائب وقصص عملي في الآثار؛ الكشف عن سرداب طويل بمقبرة الملك سيتي يقع بعد حجرة الدفن ويصل إلى أكثر من 180 متراً. وهذا السرداب ظل لغزاً بين العامة وعلماء الآثار. واعتقد البعض أن نهاية هذا السرداب تؤدي إلى حجرة أخرى للدفن. وقصة هذا السرداب تثبت أن وادي الملوك لا يزال مليئاً بالأسرار التي لم تُعرف بعد وأن كشف مقبرة توت عنخ آمون يشير إلى أن هناك كثيراً من الكنوز الدفينة لا تزال تنتظر الكشف.
أما قصة هذا الكشف فتعود إلى أكثر من خمسين عاماً عندما ذهبت للعمل بوادي الملوك في بداية حياتي الأثرية، وكنا نجلس في المساء عند الشيخ علي عبد الرسول، وهو من العائلة الشهيرة التي عثرت على خبيئة مومياوات؛ وهي خبيئة بالدير البحري، التي عثر عليها أحد أفراد العائلة وهو يجري بالجمل ليمسك بأحد الأغنام، وعندما نزل البئر التي يطلق عليها اسم خبيئة، وجد داخلها خمسين مومياء لملوك وملكات. وقد سجل لنا قصة هذا الكشف العبقري المخرج الراحل شادي عبد السلام في فيلم أطلق عليه اسم «المومياء»، وهو فيلم تسجيلي روائي قامت ببطولته الفنانة نادية لطفي. وقد عُرض هذا الفيلم في كل دول العالم ليصبح الفيلم الوحيد الذي وصل إلى العالمية.
وكان الشيخ علي يحكي لنا عن أجداده وعن عمه حسين الذي كشف عن مقبرة الملك توت عنخ آمون وهو في سن التاسعة ووضع هيوارد كارتر عقداً من كنوز المقبرة حول عنقه؛ ليعلن للعالم كله أن الذي كشف عن مقبرة توت عنخ آمون هو ذلك الصبي الذي كان يحضر المياه يومياً داخل زير إلى موقع العمل. وقد أصبحت صديقاً لهذا الرجل الجميل ذي الوجه الصارم والشارب الطويل.
وقص لي الشيخ علي أن أجداده على ثقة أن مقبرة الملك سيتي الأول، التي يصل عمقها إلى نحو 100 متر، توجد بعدها بئر تصل إلى حجرة الدفن الأصلية الخاصة بالملك. وقال لي إنه استطاع أن يحصل من مصلحة الآثار عام 1960 على تصريح بحفر هذا النفق. وقد قاموا بالحفر أسفل الجبل مسافة نحو 100 متر. وبعد ذلك، تعب العمال من حمل الأحجار من المقبرة للخارج. واعتقد المسؤولون عن الآثار أن المقبرة سوف تنهار نتيجة للحفر أسفل المقبرة.
وطلب مني الشيخ أنه لو أصبحت مديراً للآثار يوماً ما أن أستكمل حفر هذا النفق كي أصل إلى حجرة الدفن الأصلية. وقال لي: «لا أريد منك أي شيء غير أن تذكر قصتي للناس عندما تكشف عن المقبرة الأصلية». وظلت هذه المقبرة تدور في ذهني حتى أصبحت أميناً عاماً للمجلس الأعلى للآثار عام 2002. وذهبت إلى الأقصر لأتفقد هذا النفق. وبعد ذلك تم تشكيل بعثة أثرية للحفر. وقد وجدنا أن هناك ضرورة لتدعيم سطح النفق.
واستكملنا الحفائر حتى وصلنا إلى الموقع الذي وقف عنده عمال الشيخ علي. ووجدنا أنهم لم يسيروا في الطريق الصحيحة للنفق. وأكملنا العمل داخل النفق حتى عثرنا على مجموعة من السلالم. ووجدنا أن النفق أصبح منحوتاً في الصخر ولا نحتاج إلى تدعيم للسقف. ووجدنا أن هذه الدرجات وصلت إلى نحو 55 درجة. وبعد ذلك، وجدنا بوابات ونقوشاً تقول: «وسع النفق واصعد به إلى أعلى». ثم وجدنا أن الجدران كانت تُسوى لوضع المناظر. ووصلنا إلى مجموعة درجات أخرى، ثم وصلنا إلى طريق مسدودة تصل إلى 173.5 متر. واتضح لنا أن الملك سيتي مات سريعاً إذ حكم أقل من 12 عاماً؛ ولذلك لم يُستكمل النفق.
واستطعنا أن نحلّ لغز سرداب الملك سيتي.