صالح القلاب
كاتب أردني. وزير إعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق، وعضو سابق في مجلس أمناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق.
TT

مقابل التمحورات الإقليمية «التحالف» هو القوة العربية

لم يتمسك الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بما أفرح به العرب في خطابه الشهير في جامعة القاهرة في 4 يونيو (حزيران) عام 2009 إلا لبضعة أيام فقط، إذْ أنه ما لبث أن انقلب على ما كان قاله، لحساب إيران «الخمينية» التي اعتبرها صاحبة قرار واحد وموقف موّحد، وأنها الدولة الإقليمية الشرق أوسطية التي بالإمكان التعامل معها «استراتيجياً» والرهان على أنها صاحبة مواقف ثابتة وواضحة. وبالطبع فإنه لا يعرف، رغم بعض الدماء الإسلامية التي تجري في عروقه، أنَّ المسؤولين الإيرانيين أصحاب «تقية»، وأنهم يُظهرون غير ما يبطنون. وهذا بقي متواصلاً ومستمراً منذ العهد الصفوي وإلى ما بعد الثورة الإيرانية.
وأغلب الظن أنَّ الأميركيين في عهد هذه الإدارة، ومعهم معظم الدول الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا برئاسة مانويل ماكرون، ما زالوا يتمسكون بهذا الانطباع، وما زالوا يرون أن دولة الولي الفقيه بحاجة إلى بعض «الرتوش» التجميلية لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية، إلى جانب تركيا وروسيا، على اعتبار هيمنتها على سوريا، وإلى جانب إسرائيل أيضاً، حيث كان السفير الروسي في تل أبيب أناتولي فيكتوريف قد أعلن في حديث صحافي قبل أسابيع قليلة أنَّ إيران لا تريد تدمير الدولة الإسرائيلية... «وأنا متأكد من ذلك» كما قال! ولعل ما يعزز هذا الانطباع وهذه القناعة أنه قد ثبت، خلال ما يسمى أزمة الخليج ومضيق هرمز وباب المندب، أنَّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب رغم تهديدها، لا تريد أكثر من بعض «التحسينات» السياسية التي تعزز مكانة إيران كقوة إقليمية فاعلة، إلى جانب تركيا وروسيا وإسرائيل أيضاً، وإلا ما معنى أن يستمر كبار المسؤولين الأميركيين في استخدام القنوات الخلفية في التعاطي مع كبار رموز دولة «الولي الفقيه»، ومن بينهم وزير الخارجية محمد جواد ظريف.
لقد ظهرت بعد استفحال الأزمة السورية مجموعة «آستانة»، التي غدت صاحبة القرار الفعلي والرئيسي بالنسبة لهذه الأزمة، والتي أصبحت مع عامل الوقت أزمة إقليمية، وأيضاً دولية، والتي تضم روسيا وتركيا وإيران، (أي هذه المجموعة) قد تكرست كقوة رئيسية وفاعلة، وهذه مسألة أصبحت واضحة ومعروفة، ولا تحتاج إلى مزيد من البراهين والأدلة.
ثم ولأن إسرائيل قد أثبتت، من خلال تعاطيها العسكري والسياسي والأمني، وكل شيء مع الأزمة السورية، أنها غدت أكثر فعالية من أي فترة سابقة في الشرق الأوسط كله، وليس في لبنان وفي سوريا، ثم قد أصبحت هناك أيضاً المجموعة الروسية الأميركية الإسرائيلية، التي عقدت اجتماعاً في غاية الأهمية في 22 يونيو الماضي في إسرائيل، ومن المتوقع أن تعقد اجتماعاً جديداً أكثر أهمية، وفي المكان ذاته خلال فترة قريبة. وهنا فإن ما غدا معروفاً وواضحاً هو أن فرنسا مانويل ماكرون قد تولت، نيابة عن الأوروبيين وعن «آخرين» أيضاً، مهمة إصلاح ذات البين بين الولايات المتحدة وإيران وجَعْل كلّ الطرق بين البيت الأبيض وحوزة الولي الفقيه سالكة وآمنة، وحقيقة أن النجاح في هذا المجال غير مستبعد على الإطلاق، وأن جولات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المكوكية قد تسفر قريباً عن مفاجآت خطيرة بالنسبة لكثير من الدول العربية المعنية، وأيضاً بالنسبة للعرب كلهم.
ولعل ما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هنا هو أن الولايات المتحدة ومعها معظم الدول الأوروبية، لم تثر ضرورة خروج إيران، عسكرياً وسياسياً وأمنياً وطائفياً، من العراق ومن سوريا ومن لبنان، وأيضاً من اليمن، كشرط للقبول بها ولاعتمادها كدولة إقليمية مثلها مثل روسيا وتركيا، ما دام أن لها كل هذه الهيمنة في هذه المنطقة، وما دام أنها كانت ولا تزال عضواً رئيسياً في منتدى «آستانة»، وأنها تقبل بوجود إسرائيل كدولة شرق أوسطية، والمعروف أنها كانت قد حصلت من الإسرائيليين على أسلحة وعلى دعم عسكري خلال حرب الأعوام الثمانية العراقية الإيرانية.
هذه هي حقائق الأمور، وإنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا كانت قد دخلت نادي الشرق الأوسط كدولة إقليمية منذ نهايات خمسينات القرن الماضي من خلال النافذة السورية، وهذه المكانة الشرق أوسطية قد تعززت من خلال ما قدمته من سلاح ودعم عسكري في المرحلة السوفياتية إلى كثير من الدول العربية، وفي طليعتها سوريا، ولعل ما هو في غاية الأهمية في هذا المجال أن موسكو تعتبر إسرائيل، دعنا نقل «دولة روسية»، على أساس أن فيها أكثر من مليوني روسي، وأن غالبية اليهود الذين استوطنوا فلسطين المحتلة قد جاءوا أساساً في البدايات من الاتحاد السوفياتي، وأن بعضهم قد جاء قبل ذلك، أي في المرحلة القيصرية، وهذا كان عندما كانت تركيا العثمانية تهيمن على الوطن العربي بمعظمه، ومن ضمنه بلاد الشام كلها.
وهكذا فإن ما يجب أن يقال في هذا المجال هو أنه يجب أن يكون هناك تحالف عربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ذات التأثير الفاعل عربياً وإقليمياً ودولياً، يصبح قوة إقليمية، تضم الأردن والمغرب ومصر ومملكة البحرين والكويت وسلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، لمواجهة دولة العدو الصهيوني، وأيضاً إيران، طالما أنها تحتل عملياً 3 دول عربية، هي العراق وسوريا ولبنان، وطالما أن «الحوثيين» مجرد فيلق عسكري تابع لها، وأنها تتدخل كل هذا التدخل الشائن في شؤون العرب الداخلية بمعظمهم، وإن كان ليس كلهم، من منهم في القارة الأفريقية ومن منهم في القارة الآسيوية.
إن المفترض أن تكون إيران دولة إسلامية شقيقة، وأن تكون علاقاتها مع العرب والدول العربية مبنية على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والأمن المتداخل، لكن حقائق الأمور في هذا المجال وللأسف هي غير ذلك، سواء هذه الدولة في هذا العهد وفي العهد الشاهنشاهي، وأيضاً في العهد الصفوي البعيد، بقيت تستهدف العرب كأمة وككيانات سياسية، وعلى أساس أن الوطن العربي بمشرقه ومغربه يشكل مجالاً حيوياً لها، وأن «الروابط المذهبية» التي من المفترض أن تكون أرضية للتلاقي الصادق وللجوار الحسن والأخوة الفعلية قد بقيت تستخدم الفرق الشيعية كبؤر للهيمنة السياسية والتغلغل الأمني في كثير من الدول العربية القريبة جغرافياً والبعيدة.
وعليه، وفي النهاية، فإنه بالضرورة يجب وضع حدٍّ لأنْ تفرض إسرائيل نفسها كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في الشرق الأوسط كله، وأن تتدخل إيران كل هذا التدخل الشائن في هذه المنطقة، وأنْ يكون لها كل هذا الوجود الاحتلالي في بعض الدول العربية، وأن تستدرج بعض العرب إلى «حوزتها» السياسية، بحجة حمايتهم من أشقائهم، وهذا يعني أنه يجب بالضرورة أن تبرز قوة عربية فاعلة وقوية.
أما عن الدولة الخليجية «الشقيقة» قطر فيجب أن تدرك وتعرف أن مكانها في دائرة أشقائها وأن أمنها في الإطار العربي، وليس في الإطار الإيراني، ولا في الإطار التركي «الإردوغاني»، ولا في أي إطار آخر غير عربي، بما في ذلك الولايات المتحدة.