الحلقة (8): أسرار الخلافات مع تونس واستعادة العلاقة بالمغرب والمشاركة في عمليات عسكرية في أفريقيا

أحمد قذاف الدم يروي لـ {الشرق الأوسط} مسيرة نصف قرن مع معمر القذافي

قذاف الدم مع الملك المغربي محمد السادس
قذاف الدم مع الملك المغربي محمد السادس
TT

الحلقة (8): أسرار الخلافات مع تونس واستعادة العلاقة بالمغرب والمشاركة في عمليات عسكرية في أفريقيا

قذاف الدم مع الملك المغربي محمد السادس
قذاف الدم مع الملك المغربي محمد السادس

يواصل أحمد قذاف الدم تذكر الأيام الخوالي في العمل بجوار العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، الذي حكم البلاد طوال 42 عاما، وشهدت تلك السنوات عواصف وأنواء وتقلبات في المواقف؛ سواء مع بعض الدول العربية أو الأجنبية. ويقول قذاف الدم في هذه الحلقة لـ«الشرق الأوسط» إن إحدى أكبر العواصف التي مرت على العلاقات الليبية - التونسية كانت تلك التي تتعلق باتفاقية الوحدة بين البلدين عام 1974. كان القذافي يبحث عن «بدائل وحدوية»، وهو يشعر بالمخاطر التي تتعرض لها بلاده مع مصر عقب قرارات وقف إطلاق النار بين القاهرة وتل أبيب، وعدم رضاه عن إجراء مفاوضات الكيلو 101، بعد حرب 1973 على الأراضي المصرية لا الإسرائيلية، بالإضافة إلى تعرض التحالف الثلاثي الوليد بين مصر وليبيا وسوريا، للتصدع.
لكن أطرف واقعة في موضوع تونس وليبيا هو لحاق القذافي بالرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، حين سافر الأخير إلى أوروبا، لكي يسأله معمر عن سبب نقض الاتفاق.. ومن الطرائف أيضا مطالبة الرئيس بورقيبة للقذافي بأن يعيد له ورقة اتفاق الوحدة التي وقّعها معه، وتمسّكه باستعادة هذه الورقة، ومطالبته بأن يتسلم النسخة بيده، قبل أي حديث مع ليبيا، حيث ظل يلح في هذا الأمر، وفقا لشهادة قذاف الدم، إلى أن أعادها له القذافي في نهاية الأمر.

يقول قذاف الدم: «بدأنا مع الرئيس بورقيبة بداية قوية بالاتحاد العربي الإسلامي.. كان يُطلق عليه (اتفاق جربة)، لكن قوى أخرى كثيرة تدخلت ونسفت هذا الاتفاق، مع أنه كان بالإمكان، وفقا للاتفاق، أن تكون هناك دولة تضم ليبيا وتونس.
وكان الاتفاق يتضمن أن تكون دولة الاتحاد (الليبية التونسية) برئاسة الرئيس بورقيبة، والقذافي نائبا للرئيس، أو وزيرا للدفاع، وعبد السلام جلود منصب الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وأن يكون نائبه محمد المصمودي وزير الخارجية التونسي في ذلك الوقت.
واستمر العمل على هذا، إلى أن فوجئت ليبيا بتوقف تونس، من طرف واحد، عن العمل المشترك. ويتذكر قذاف الدم تلك الأيام بقوله إن الليبيين حين أرادوا أن يعرفوا ماذا يجري من جانب الطرف التونسي، وفهم سبب عدم الاستمرار في العمل على اتفاق الوحدة، لم يتمكنوا من الحديث مع الرئيس بورقيبة، لأنه كان قد ترك تونس فجأة وغادر إلى جنيف.
ويضيف أن القذافي حين علم بخبر مغادرة بورقيبة، قرر اللحاق به إلى هناك، حيث التقى بالرئيس التونسي بالفعل.. «حين ألغى بورقيبة الاتفاق الاتحادي وسافر لجنيف، كنا نحن عقب الثورة الليبية، وكنا متحمسين وفرحانين، وشكل لنا وقف الاتفاق صدمة كبيرة».
وحين قابل القذافي بورقيبة في جنيف عاتبه، وقال له: «كيف هذا، يا سيادة الرئيس.. نحن في ليبيا وتونس وقّعنا اتفاقا، وخرجت الجماهير في البلدين تصفق لهذا الاتفاق، وفجأة تلغون هذا الاتفاق. ماذا حدث بين يوم وليلة؟!». ويتابع قذاف الدم قائلا إنه كانت توجد ضغوطات كبيرة دولية وعربية على الرئيس بورقيبة، ولهذا «تراجع عن الاتفاق، فبدأت العلاقة بين البلدين بين مد وجزر، وأصبحت الثقة بين الجانبين مفقودة، وغذى الخلاف أطراف كثيرة».
ومرت السنوات إلى أن جاءت عملية «قفصة» في المدينة التونسية المعروفة بهذا الاسم، والواقعة في جنوب وسط تونس، عام 1980 وذلك حين قام عشرات المسلحين الذين قيل وقتها إنهم ينتمون لفصائل من المعارضة التونسية، بالاستيلاء على المدينة، ودعوة سكانها للانضمام إلى «الثورة المسلحة»، والدعوة للإطاحة بالرئيس بورقيبة.
واستنجدت السلطات التونسية في ذلك الوقت بفرنسا، وقامت باعتقال معظم المشاركين في العملية، وقدمتهم للمحاكمة، وأعدمت 11 منهم على الأقل، ووجهت أطراف تونسية وفرنسية إصبع الاتهام لليبيا، خاصة أن من بين المتهمين في أحداث قفصة شبان ذوو توجهات قومية وثورية تشبه الحراك السياسي الذي جاء بالقذافي للحكم عام 1969.
وكانت هذه ثاني واقعة للخلافات الكبيرة التي حدثت بين البلدين. ويقول قذاف الدم إنه حين وقعت أحداث قفصة أرادت القوات الفرنسية أن تأتي لتقمع «هذه الانتفاضة، ونحن اعترضنا على هذا، وذهبت أنا إلى باريس، وتكلمت مع الفرنسيين حول هذا الموضوع، وقلت لهم: إذا ما دخلتم إلى تونس، فستجدون القوات الليبية أمامكم، وفي مواجهتكم. وقلت لهم أيضا إننا، نحن، لا نتدخل في تونس.. هذا لأنهم اتهموا ليبيا بهذه العملية، بينما ليبيا لم تكن طرفا فيها. واكتفى الفرنسيون بإرسال بعض الخبراء الفنيين ولم يرسلوا قوات، ونحن توقفنا عند هذا الحد».
ويواصل موضحا: «استمرت الأحوال مع تونس على هذا المنوال، إلى أن توفرت لدينا مزيد من المعلومات عن مشروع المخطط الفرنسي لضرب ليبيا، وهو جزء من المخطط الغربي الذي كنت قد تحدث فيه مع السادات وحذرت منه، من قبل». ويضيف أنه لهذا السبب ذهب إلى تونس، ويقول: «التقيت هناك بالسيدة وسيلة بورقيبة (زوجة رئيس الدولة)، وكان لها نفوذ في القصر الرئاسي.. وكان يوجد أيضا الهادي مبروك، سفير تونس لدى فرنسا، الذي أصبح فيما بعد وزيرا لخارجية بلاده. وتكلمت معهم (مع وسيلة والمبروك) بشأن الزيارة التي كنت قد قمت بها لباريس، بسبب أحداث قفصة وتداعياتها»، وقلت: «لماذا تستعينون بالقوات الفرنسية؟ وتحدثنا مطولا واتفقنا على أساس أن نمتص هذه الخلافات».
وفي هذا اللقاء، دعتني السيدة وسيلة لزيارة تونس مجددا.. وبالفعل، لم يمضِ وقت طويل حتى ذهبت إلى هناك مرة أخرى، والتقيت هذه المرة بالرئيس نفسه، لكن، في الحقيقة، كانت صحته قد بدأت تسوء خاصة في السنوات الأخيرة، وفي هذه الزيارة، حيث التقيت أيضا مع رئيس الوزراء التونسي، ومعه وزير الخارجية أيضا (وكان في ذلك الوقت هو «الباجي قائد السبسي»)، وكان إدريس قيقة وزيرا للداخلية، وهم كانوا مُصرين على أن تعيد ليبيا لتونس وثيقة الاتحاد الموقّعة بين البلدين، ظنا منهم أنه في حالة وفاة الرئيس بورقيبة ستستخدمها ليبيا لفرض الوحدة بالقوة على تونس.. وحدث نقاش كثير حول هذه النقطة.
واستمرت اللقاءات والمناقشات بشأن هذه الوثيقة وحق تونس، أو عدم حقها، في استعادتها، عدة أيام، وفي عدة مواقع في العاصمة، منها القصر ومجلس الوزراء وغيره.. «وأنا قلت في أحد تلك الاجتماعات إن هذه الورقة هي الشيء المضيء الوحيد في تاريخ العلاقات الأفريقية. فردوا: نحن مستعدون لكل أنواع التعاون، لكن الورقة لا بد أن تعود، لأن الرئيس مُصرّ على ذلك، وهو غاضب من هذا الموضع.. ولا حديث إلا باستعادة الورقة».
وغادر قذاف الدم إلى ليبيا، وشرح للقذافي أهمية ورقة وثيقة الاتحاد مع تونس للرئيس بورقيبة، وأن المسؤولين هناك يجمعون على هذا الأمر، فاستغرب القذافي من هذه القضية، لكنه، في النهاية، حسم الأمر، وقال: «هيا.. خذ الورقة وامش لهم، خلاص.. سيأتي يوم تفرض فيه الشعوب العربية هذه الوحدة وتعدل هذا الوضع المقلوب.. أعطهم ورقتهم».
واقترح قذاف الدم على القذافي أن يقوم هو بنفسه بتسليم الورقة للرئيس بورقيبة، على أساس أنه جرى توقيعها بين الرئيسين في السابق. ويقول إنه «بعد أخذ ورد، وافق الأخ معمر على الذهاب إلى تونس.. وذهبنا فعلا، وسلّم الوثيقة، ومدها بيده ليد الرئيس الذي فرح فرحا كبيرا هو والسيدة وسيلة، ولا أعرف لماذا. لكن على أي حال كانت إعادة الورقة بداية لصفحة جديدة في العلاقات الليبية - التونسية إلى أن جاء الرئيس زين العابدين بن علي، حيث سارت الأمور، واستفدنا من كل هذه الأخطاء التي حدثت في السابق».
لكن هل ما زال هناك خلاف لم يُحسم بعد، كما يتساءل البعض، بين ليبيا وتونس، بشأن استغلال «الجرف القاري» الغني بالنفط والغاز، على الحدود بين البلدين. ويحوي هذا الجرف ثروات سمكية وأهمية استراتيجية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضية سبق طرحها على محكمة العدل الدولية في «لاهاي» للفصل فيها، منذ عام 1982. وتوجد منذ عام 1988 اتفاقية بين البلدين لاستغلال المنطقة بواسطة شركة بترولية تونسية ليبية.
ويقول قذاف الدم إن مرحلة التعامل مع زين العابدين بن علي الذي تولي حكم تونس منذ عام 1987 إلى عام 2011، اتسمت بالتعايش بين البلدين.. «بدأنا نتعايش، ونتقاسم مع بعض الجرف القاري.. كان هناك خلاف على الجرف القاري، لكن المحكمة حكمت لصالح ليبيا. وهنا رأى الأخ معمر رأيا آخر، وهو أن نتقاسمه مع تونس.. الأخ معمر لم يكن من البداية راضيا عن هذه المحاكمة، وكان يرى من أول يوم أن نتقاسم هذا الجرف مع تونس، إلا أن الإخوة في تونس رفضوا الاقتسام في ذلك الوقت، وساروا للمحكمة، وبعد أن حكمت لصالح ليبيا، ذهبنا نحن للرئيس زين العابدين لتدشين أحد الحقول، وأعلن الآخر معمر في ذلك المكان أن هذا الحقل مناصفة بيننا وبين الأشقاء في تونس».
وعن انطباعه عن الرئيس بن علي، يقول قذاف الدم إنه «استطاع أن يستفيد من الأخطاء التي وقعت فيها العلاقات بين تونس وليبيا في السابق، واستطاع أن يجنب البلدين الخلافات. ولم يشب العلاقات أي شائبة، إلا بعض الأمور البسيطة العابرة. الرئيس زين العابدين كان يركز اهتماماته على الوضع الداخلي في بلاده، ولم يكن لديه أي اهتمامات خارجية إلا فيما يخص تونس».
وكانت البحث عن مثل هذه التحالفات في ذلك الوقت، أي منذ بداية حكم القذافي، تجري على قدم وساق، ولكن بطرق مختلفة، سواء مع الدول العربية، مثل مصر وسوريا وتونس، أو في دول القارة الأفريقية، من تشاد وأفريقي الوسطى، ومن الغابون إلى أوغندا، وهذه الدولة الأخيرة كانت واحدة من عدة دول شارك فيها قذاف الدم نفسه مع ضباط ليبيين آخرين في القتال، ضمن صراع كانت تخوضه ليبيا ضد ما تعتقد أنه معارك مع الاستعمار والرجعية والتمدد الغربي والإسرائيلي في القارة السوداء لخنق الدول العربية، خاصة دول الطوق والمواجهة.
ويبدو من كلام قذاف الدم، في العموم، أن ليبيا كانت تجد مساعدة من مصر في عهد عبد الناصر وبداية عهد السادات، بشأن محاولة إدارة الأوضاع والصراع مع أطراف أخرى دولية وإقليمية، لكن اتجاه السادات نحو الغرب ودخوله في مفاوضات مع إسرائيل للوصول إلى اتفاق سلام، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي، جعل ليبيا تلعب بمفردها في ساحة مترامية الأطراف.
وكان أحمد قذاف الدم، وهو ضابط في مقتبل العمر يشارك، سواء بالتدريب أو بنفسه في بعض العمليات في أفريقيا مع ضباط وجنود ليبيين وغير ليبيين، وتعرض لمحاولة اغتيال بقذيفة صاروخية حين كان يمر بسيارته الـ«رانج روفر» في كمبالا، عاصمة أوغندا، على طريق مطار عنتيبي، وكان معه عدد من الضباط، وذلك على خلفية «عملية عنتيبي الشهيرة التي قامت فيها قوات كوماندوز إسرائيلية بأول عملية كبيرة خارج أراضيها لتحرير رهائن إسرائيليين في يوليو (تموز) 1976 كانوا ضمن 248 راكبا على متن طائرة فرنسية جرى خطفها على أيدي عدد من الفلسطينيين، وحطوا بها في المطار الأوغندي.
وفي يوم من تلك الأيام استقل قذاف الدم، ومن معه، سيارة الـ«رانج روفر» ذات اللون المموه، وتوجه إلى الطريق المؤدي للمطار.. ويقول: «في لحظة، والسيارة تجري، أصدرت أمرا لمن معي بالخروج منها فورا.. كان لدي إحساس قوي بأنها ستنفجر بنا، وهو ما كان.. قلت: اقفزوا.. وقفزنا كلنا منها، بينما كان صوت القذيفة يصفر في الهواء في أثر السيارة.. كانت قذيفة من نوع (آر بي جي)، فجّرتها قبل أن نصل الأرض، لكننا نجونا منها».
ويواصل قائلا إن «أوغندا كانت مكانا مهما وحيويا، وكانت أعين اليهود دائما على هذا المكان.. بدأنا منذ أوائل أيام الرئيس الأوغندي عيدي أمين. كان يحرسه اليهود والإسرائيليون، فالتقى بالأخ معمر في أحد مؤتمرات القمة الأفريقية، وهنا دعاه إلى زيارة ليبيا، فجاء وبقي عندنا أياما.. معمر أدخله الإسلام، بعد أن كان رجلا لا دينيا، وقام عيدي أمين، وهو في ليبيا، بقطع علاقته بإسرائيل، وأعلن أيضا فتح سفارة لفلسطين في بلده.. هذا الرجل كانت تتعامل معه وسائل الإعلام الغربية، خاصة البريطانية على أنه بطل من أبطال أفريقيا وزعيم ومناضل، لكن بعد أن قام بما قام به في ليبيا، أصبحت وسائل الإعلام نفسها تصوره على أنه مجرم وآكل للحوم البشر». ويضيف أن الغرب «تآمر عليه وحاول إسقاطه، وكان لا بد من الدفاع عنه، خاصة بعد عملية عنتيبي».
ووفقا للغط الذي دار في وقت العملية، يبدو أن عيدي أمين كان على علم بها منذ البداية، وأنه كان يريد أيضا أن يقدم يد المساعدة لإنجاح الهدف منها. وكانت الطائرة التابعة للخطوط الجوية الفرنسية قد أقلعت من مطار اللد في إسرائيل، في طريقها إلى فرنسا، وحين توقفت في مطار أثينا (ترانزيت) قامت عناصر قيل إنها منتمية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالسيطرة عليها، والتحليق بها والهبوط بها في مطار بنغازي في ليبيا للتزود بالوقود، ثم توجهوا بها بعد ذلك إلى مطار عنتيبي. وبعد عدة أيام من المفاوضات، قام الكوماندوز الإسرائيلي باقتحام المطار والاشتباك مع الخاطفين ومع جنود أوغنديين، وتحرير الرهائن.
وبعد انتهاء العملية، بدأ الإعلام الغربي الهجوم على الرئيس عيدي أمين. ويقول قذاف الدم: «أما عسكريا، فقد ساند الغرب هجوما وغزوا بمجموعة مرتزقة يستهدف عيدي أمين لإسقاطه، ولهذا وقفنا معه وقاتلنا معه.. وأنا أيضا قاتلت معه، مثلما قاتلت في أكثر من 5 دول أفريقية أخرى لمساندة استقلالها وتحررها.. وقتها كنا نعلم في ليبيا أن الغرب لديه خرائط يهدف من خلالها للفصل بين العرب في شمال أفريقيا وباقي القارة الأفريقية. أي أفريقيا السوداء وأفريقيا البيضاء.. كان يريد عزلنا في بحيرة الملح في شمال أفريقيا، وننحصر بين أوروبا الموحدة وأفريقيا الموحدة، ونظل نحن كمجموعة دول في شمال أفريقيا غير قابلة للحياة، لأن المنطقة، منطقتنا، ليس فيها مياه ولا إمكانيات، ولهذا عملنا لمواجهة هذا المشروع مع الجميع، بمن في ذلك الرئيس التالي لأوغندا، يوري موسيفيني».
وكان قذاف الدم، قد بدأ، في تلك المرحلة، عمله السياسي الحقيقي مع القذافي، وذلك منذ قرر ندبه من القوات المسلحة لقسم العلاقات الدولية في أواخر السبعينات من القرن الماضي، ولم يكن العمل في قطاع العلاقات الدولية يعني القيام بأعمال وزارة الخارجية نفسها، رغم أن هذا القطاع كان في الحقيقة يتبع الوزارة نفسها.
ويوضح هذه النقطة بقوله: «كنا ضمن وزارة الخارجية، ولكن بحكم أن لدينا قضية نحمل همها وندافع عنها، أو بحكم العلاقات الشخصية مع الآخرين، نستطيع أن نعرض الأشياء بشكل جريء يختلف عن العرض الدبلوماسي أو العرض المبني على البروتوكول الدولي، مثل المفاوضات التي أجراها مع رؤساء كالسادات ومبارك وميتران وحتى ملك المغرب الراحل.
ويقول: «في بعض الأحيان كنت أقوم ببعض المهام وأخطر الأخ معمر بها لاحقا». وحدث هذا في عدة وقائع كان نتيجتها إعادة العلاقات أو توثيقها بين ليبيا وبعض البلدان العربية. على سبيل المثال، قصة عودة العلاقات بين المغرب وليبيا؛ كنا أصدقاء للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، إلى أن فوجئنا به يسافر إلى المغرب التي كنا على خلاف معها بسبب الجزائر وبن جديد نفسه.. أنت تعرف طبعا أنه كانت هناك مشكلة بين بن جديد والملك الحسن الثاني تتعلق بقضية الصحراء. على أي حال، كنت وقت زيارة الرئيس الجزائري للمغرب موجودا في لندن لبعض المهام، وبعد كثير من التردد، وجدت نفسي بجوار مقر خلوي للملك في منطقة فاس، في شمال المغرب.
ومن المعروف أن القذافي فاجأ الجميع بزيارته للمملكة المغربية في يوليو (تموز) من عام 1983. وكان السبب في المفاجأة أن البلدين كانا على طرفي نقيض ويتبادلان الاتهامات بشأن دعم كل منهما لخصم الآخر.. فالرباط كانت تتهم ليبيا بدعم جبهة البوليساريو في الصحراء المغربية، بالمال والسلاح إلى درجة أصبح معها مقاتلو البوليساريو، من وجهة نظر المغاربة، يمثلون مصدرا للقلاقل وعدم الاستقرار في المملكة، بينما كانت الجزائر، جارة كل من المغرب وليبيا، تستفيد من الدعم الليبي للبوليساريو. أما ليبيا فكانت تتهم المغرب بمساعدة فرنسا في وجودها بتشاد ضد الوجود الليبي هناك.
ويقول قذاف الدم: «لم نكن نعرف في ليبيا بترتيبات اللقاء الذي جرى بين الملك المغربي وبن جديد. وفوجئنا به. الجزائر، طبعا، كنا حلفاء لها في ذلك الوقت، وكان عداؤنا للمغرب بسبب علاقتنا بالجزائر.. أما قضية الصحراء، فنحن الأساس فيها، ونحن أول من بدأ المقاومة فيها.. نحن من سلح ودرب الأحرار في الصحراء لمقاومة الاستعمار الإسباني إلى أن خرج منها، وبعدها بدأت القضية تأخذ منحى آخر، وهو صراع بين المغرب والجزائر، فنحن انحزنا في تلك المرحلة للجزائر، بحكم العلاقة التي بيننا».
وجاء اللقاء الأول والمفاجئ بين الزعيمين المغربي والجزائري في 1983، وهنا بدأ قذاف الدم في إجراء الاتصالات، وهو في لندن، مع عدد من أصدقائه المغاربة ممن كانوا يدعونه في السابق لزيارة المغرب، بينما كان هو يتردد في ذلك.. ولم يكن قذاف الدم قد سافر إلى المغرب من قبل.. ويقول: «حين دعاني الأخوة المغاربة مجددا، وجدت أنها فرصة أن أذهب إلى هناك.. ولم أخبر الأخ معمر بالزيارة؛ كنا في طائرة أحد الأصدقاء، وعندما دخلت الطائرة الأجواء المغربية جرى توجيهها إلى مدينة فاس، ولم أكن أعرف إن كنا قد اختطفنا أم ماذا. لكنني في النهاية وجدت نفسي وجها لوجه مع ملك المغرب (رحمه الله).
ويتابع موضحا: «نزلنا من الطائرة، وأخذتنا سيارة إلى مزرعة على ربوة جميلة، ولم أكن أعرف أنها للملك الحسن.. كانت هناك خيمة موضوعة فوق الربوة، وقال لي أحد الأصدقاء المغاربة ممن كانوا معي: تفضل.. اذهب إلى هناك، ثم غادر مع السيارة. وقفت ونظرت حولي.. لم يكن هناك أحد في هذه المزرعة الفسيحة؛ وجدت في الخيمة عدة مقاعد، ولم أجد فيها أحدا، فتراجعت ووقفت خارجها».
ويضيف قذاف الدم قائلا: «بعد قليل، جاءت سيارة فجأة، وكانت ماركة مورس (إنجليزية الصنع) صغيرة يقودها سائق يرتدي الملابس المغربية التقليدية. وحين اقتربت السيارة مني، كنت قد أدرت ظهري للجهة الأخرى، لكن حين شعرت أنها اقتربت أكثر وتوقفت قرب الخيمة، التفت إليها وإلى مَن فيها، فإذا به الملك الحسن الثاني شخصيا، وكان هو الذي يقودها بنفسه ووحده. نزل وهو يقول: مرحبا سي أحمد في بلدك. سلمت عليه، وقلت له: أنا جئت.. ثم توجهنا ناحية الخيمة، وقبل أن نجلس داخلها، أخبرته أنني جئت دون علم معمر، وبدأنا بعدها في مناقشة العلاقات الليبية - المغربية، واتفقنا بعدها، أي بعد حوار طويل، على أنه حان الوقت لاستعادة العلاقات بين البلدين. وفي الحقيقة سألني الملك سؤالا مباشرا، وهو: لماذا تعادوننا؟ فقلت له: نحن لا نعاديكم؛ طالما صافحت الرئيس الشاذلي، فأنت صافحت معمر القذافي، فنحن حلفاء للجزائر، وعندما سقطت هذه العداوة بينكم وبين الجزائر، فنحن تلقائيا لم يعد لدينا أي مشكلة معكم. ليس لدينا حدود مشتركة ولا شيء من هذا القبيل.
ومكثت في ضيافة الملك الحسن 3 أيام. واتفقنا على أنه سيجري لقاء مع القذافي، واتفقنا على أن يكون هذا اللقاء في مكان ثالث لأنني أبديت لجلالة الملك عدم رغبتي في أن يجري اللقاء في المغرب، كما أن الملك، من جانبه، تحفظ على موضوع الذهاب إلى طرابلس، وقال: لو ألتقي ساعة مع الأخ معمر سنحل كل مشاكلنا».
وعلى أي شيء انتهى اللقاء؟ يقول قذاف الدم: «اتفقنا على إجراء المقابلة بين جلالة الملك والقذافي في إسبانيا عند فيليب جونزاليس (رئيس وزراء إسبانيا آنذاك) وكان صديقنا. وكان ذلك قبل شهر رمضان بأيام، وعدت إلى طرابلس، وأبلغت الأخ معمر، فكان رد فعله سريعا وعفويا، وتساءل: كيف نلتقي في بلد ثالث.. نحن عرب. إذا كان لا يريد أن يأتي إلينا، فنذهب نحن إليه. وهنا كنت أريد أن أترك الأمور تأخذ مزيدا من الوقت حتى يكون هناك نوع من التفهّم من كل جانب للآخر قبل اللقاء، فقلت له: إن شاء الله بعد شهر رمضان نجهز زيارة للمغرب.
إلا أن القذافي لم يعطني الفرصة ولم يمنحني مزيدا من الوقت، وأجاب في صيغة سؤال: (ولماذا بعد شهر رمضان، ما الذي يمنع أن تكون في رمضان؟)، ولم يكن أمامي أي خيارات، فقلت له: (خلاص، فلتكن يوم الخميس المقبل). وكنا، في ذلك اليوم، يوم أحد أو اثنين على ما أذكر. وعليه سافرت إلى المغرب، وقابلت الملك مرة أخرى، وقلت له: (جلالة الملك.. لقد كسبت الرهان). وبهذا عادت العلاقة بين البلدين.. استقبلنا الملك استقبالا حافلا، وجلس مع القذافي، واتفقا على كثير من الأمور»، حيث استمرت العلاقات الأخوية كذلك أيضا في عهد الملك المغربي الحالي محمد السادس.



وفرة الموارد الطبيعية في باكستان تفتح الباب لاستثمارات سعودية جديدة

وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
TT

وفرة الموارد الطبيعية في باكستان تفتح الباب لاستثمارات سعودية جديدة

وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)
وزيرا خارجية السعودية وباكستان في صورة جماعية عقب اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين (واس)

قال نواف المالكي السفير السعودي لدى باكستان، إن اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص»، الذي عُقد أمس (الثلاثاء) بين الجانبين السعودي والباكستاني، أكّد على «ما تختص به باكستان من وفرة في الموارد الطبيعية مما يجعلها دولة مستهدفة للاستثمار في كثير من القطاعات المتاحة من خلال دراسة العروض المقترحة لإقامة استثمارات مشتركة بين السعودية وباكستان».

ووصل وزير الخارجية السعودي إلى باكستان (الاثنين)، في زيارة استمرت ليومين، على رأس وفد رفيع المستوى يتألّف من وزراء من القطاعات الرئيسية بما في ذلك الاستثمار، والمياه والزراعة، والبيئة، والصناعة، والموارد المعدنية، والطاقة، وقطاعات أخرى، لتسريع متابعة التفاهم الذي تم التوصل إليه بين رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي خلال اجتماعهما الأخير في السابع من أبريل (نيسان) الحالي في مكة المكرمة، ولتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين، والتقى خلال زيارته الرئيس الباكستاني، ورئيس الوزراء؛ ووزير الخارجية، ورئيس الجيش الباكستاني. كما ترأس مع نظيره الباكستاني اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين».

وأضاف المالكي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الزيارة تأتي «امتداداً للعلاقات الدائمة مع دولة باكستان الشقيقة، وهي تأكيد على عمق العلاقات بين البلدين وتطورها بشكل مستمر، ولتعزيز التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري، ودعم المستثمرين من البلدين لتوسيع أعمالهم التجارية في القطاعات كافة». وتابع أن زيارة وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان والوفد المرافق له «جاءت لاستعراض سبل تعزيز علاقات التعاون المتينة في كثير من المجالات، بالإضافة إلى مناقشة تكثيف التعاون الأمني والاستراتيجي بين البلدين بما يسهم في الأمن والسلم الدوليين».

وتتجه السعودية وباكستان إلى تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري ودعم المستثمرين لتوسيع أعمالهم في البلدين، وذلك خلال اجتماع «مجلس تيسير الاستثمار الخاص»، الذي عقد في إسلام آباد، (الثلاثاء)، برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، ونظيره الباكستاني إسحاق دار.

القطاعات المستهدفة

وأكد وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار، على الروابط العميقة والمصالح الاستراتيجية المتبادلة بين باكستان والسعودية، وأبرز أهمية تعزيز الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية الثنائية والدور الحيوي للاستثمارات السعودية في تعزيز هذه العلاقة.

وشرح كيف تهدف باكستان من خلال منصة «إس آي إف سي» إلى تبسيط عمليات الاستثمار وضمان اتخاذ القرارات بسرعة، وتعزيز بيئة استثمارية مزدهرة في باكستان.

وعرض فرص باكستان الوفيرة في قطاعات الزراعة وتكنولوجيا المعلومات والتعدين، داعياً المستثمرين السعوديين إلى المشاركة في شراكات مفيدة للجانبين.

وتحدث وزير الخارجية الباكستاني أيضاً عن ثقته بتعزيز الروابط بين البلدين، متصوراً نمواً اقتصادياً كبيراً وفوائد دائمة.

جانب من لقاء وزير الخارجية السعودي والوفد المرافق رفيع المستوى برئيس أركان الجيش الباكستاني (واس)

تحديد الفرص الاستثمارية

إلى ذلك، قدم المسؤولون في «إس آي إف سي» شروحات شاملة تشمل الإمكانيات والفرص الاستثمارية في القطاعات الرئيسية للاقتصاد الباكستاني، وعقد الجانبان جلسات نقاش مكثفة على مستوى الأداء لتحديد فرص الاستثمار في باكستان.

وكشف الجانب السعودي عن أهمية كبيرة واهتمام في تحسين بيئة الاستثمار في باكستان، وقدر دور «إس آي إف سي» في تسوية قضايا الاستثمار / الأعمال السابقة للسعودية بطريقة ودية، مبدياً اهتماماً كبيراً بالاستثمار في القطاعات الرئيسية في باكستان.

أما الجانب الباكستاني فأبدى دعمه وتسهيلاته في تسريع الاستثمارات متعددة المليارات من المملكة في إسلام آباد.

ووضع الجانبان آلية تنفيذ ثنائية لتنسيق وتنفيذ الشؤون المتعلقة بالاستثمار على مستوى الأداء لتحويل التزاماتهما السيادية إلى نتائج اقتصادية ملموسة.


لماذا يثير وجود الحكومة اليمنية في الداخل قلق الحوثيين؟

جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
TT

لماذا يثير وجود الحكومة اليمنية في الداخل قلق الحوثيين؟

جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)
جانب من زيارة رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك لمدينة الشحر ضمن زيارته لمحافظة حضرموت (الحكومة اليمنية)

ضمن سلسلة جولات عديدة، زار رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك بشكل مفاجئ مؤسسة الكهرباء بمديرية المنصورة في عدن قبل يومين، وفي التوقيت نفسه كان رئيس مجلس القضاء الأعلى، يتفقد العمل بديوان النيابة العامة، ومجمع النيابات الابتدائية في المدينة نفسها.

خلال الشهرين الأخيرين، شهدت العاصمة اليمنية المؤقتة عدن حضوراً لافتاً للصف الأول من قيادات الدولة بدءاً بأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، ورئيس ونواب البرلمان، إلى جانب رئيس وأعضاء هيئة التشاور والمصالحة، وصولاً لرئيس وأعضاء الحكومة اليمنية.

رئيس مجلس القيادة يؤدي صلاة العيد في عدن برفقة أعضاء المجلس والحكومة والبرلمان (سبأ)

ويعتقد مسؤولون ومحللون أن عودة قيادات الدولة اليمنية وممارسة أعمالهم من الداخل، تمثل أولى خطوات الانتصار على جماعة الحوثي الانقلابية، وتقديم نموذج إيجابي في المناطق المحررة على امتداد الجغرافيا اليمنية.

«عودة جميع مسؤولي الدولة إلى الداخل ومشاركة المواطنين المعاناة استراتيجية أساسية لدى مجلس القيادة الرئاسي، تعطي انطباعاً حقيقياً بوجود الدولة ومواجهة الميليشيات الحوثية»، هذا ما يقوله فهد الخليفي وكيل محافظة شبوة.

وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني قد وجه، في أوائل أغسطس (آب) الماضي، جميع مسؤولي الدولة للعودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، لاستئناف أعمالهم من مقارها في المدينة وفي بقية المحافظات.

وأضاف الخليفي لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «هذه العودة تعد من ثمار المشاورات اليمنية التي عقدت في الرياض، ولا شك سوف تؤدي لمواجهة التحديات الاقتصادية وهي أولوية مجلس القيادة والحكومة في الفترة الحالية، وسيكون لها أثر إيجابي على المستوى الاقتصادي».

ولفت وكيل محافظة شبوة إلى أن «جماعة الحوثي لطالما استخدمت وجود قيادات الشرعية في الخارج لاستعطاف المواطنين والترويج بأنهم هاربون ولا يوجد لهم قبول في الداخل، لكن الأمر خلاف ذلك تماماً، اليوم نرى عدن تحتوي الجميع للعمل في منظومة واحدة لخدمة الناس». وتابع: «أعتقد أن الوجود في الداخل يمثل أولى خطوات الانتصار على الحوثيين، ويدفع باتجاه توحيد اللحمة الداخلية لمواجهة التحديات كافة».

الاقتراب من هموم الناس

أعطت تحركات رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك وزياراته الميدانية لمؤسسات الدولة وبعض المحافظات اليمنية آخرها حضرموت، انطباعاً إيجابياً لدى السكان، بحسب مراقبين.

يرى لطفي نعمان، وهو مستشار سياسي وإعلامي يمني، أن عودة قيادات الدولة للداخل «خطوة ضرورية ومطلوبة؛ خصوصاً أنها تقارب هموم الناس ومتطلباتهم المعيشية». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفارق يتضح بمرور الوقت، فمعالجة المشكلات لا تتم بمجرد لقاء وزيارة ميدانية واحدة».

ولا يعتقد المستشار السياسي أن جسامة ما خلقته النزاعات والصراعات قد تهدأ بمسكنات، ويرى أن الحل يأتي «بمعالجات أقوى في مجالات كثيرة؛ أهمها الاقتصاد ومسارعة إعادة إعمار البنى التحتية الضرورية، بما يخفف عن الناس معاناتهم في مناطق الحكومة ومجلس القيادة على أقل تقدير».

قائد القوات البحرية والدفاع الساحلي الفريق بحري عبد الله النخعي خلال زيارته المواقع العسكرية في باب المندب وجزيرة ميون (سبأ)

وتعليقاً على خشية الحوثيين عودة قيادات الشرعية للبلاد، يرى لطفي نعمان أن «محاولة الوصول إلى خلق نموذج إيجابي هو أفضل سبيل للمواجهة». وأضاف قائلاً: «من الطبيعي أن يخشى ويتحسب من يقع في الجانب الآخر، لمثل هذا الأمر، لا سيما وهو يراهن على فشل الآخرين لئلا يكون الفاشل الوحيد في خلق نموذج (ينفع الناس ويمكث في الأرض) ما دام يقارب ويحاول بصدق وإخلاص معالجة همومهم الأساسية بعيداً عن المزايدات والبروباغندا الإعلامية».

بدوره، يرى الدكتور عبد العزيز جابر، الباحث اليمني في الإعلام السياسي، أن الحراك الأخير لرئيس الحكومة وزيارة حضرموت يعطيان رسالة بحضور الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية الأمنية.

وأشار جابر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مثل هذه الزيارات وحراك قيادات الشرعية «يغيظ ميليشيات الحوثي الانقلابية ويرسل رسالة قوية بأن مشروع الحوثي الإيراني الذي جلب الدمار والخراب مصيره إلى الزوال، وأن الشعب اليمني يتوق للتخلص منه».

وتابع: «أعتقد أن زيارة بن مبارك لحضرموت تعد خطوة في مسافة الألف ميل في سبيل تثبيت مداميك حضور الدولة مدنياً وأمنياً وعسكرياً».


واشنطن تتبنّى غارتين استباقيتين ضد الحوثيين في الحديدة

مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تتبنّى غارتين استباقيتين ضد الحوثيين في الحديدة

مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)
مقاتلة إف 18 تنطلق من على متن حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

تبنّى الجيش الأميركي تدمير طائرتين حوثيتين من دون طيار في محافظة الحديدة الساحلية الخاضعة للجماعة الموالية لإيران في اليمن، وذلك في سياق الضربات الاستباقية التي قلصت في الآونة الأخيرة من خطورة الهجمات ضد السفن في البحر الأحمر، وخليج عدن.

وتزعم الجماعة الحوثية أنها تساند بهجماتها البحرية الفلسطينيين في غزة، وتربط وقف الهجمات بانتهاء الحرب، وإنهاء حصار إسرائيل للقطاع، فيما تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أوامر إيران خدمة لأجندة الأخيرة في المنطقة.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية في بيان، الأربعاء، بأن قواتها نجحت بين الساعة 10:50 صباحاً و11:30 صباحاً (بتوقيت صنعاء) في 16 أبريل (نيسان) في الاشتباك مع طائرتين من دون طيار في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الإرهابيون، والمدعومون من إيران في اليمن.

وفي حين لم يتم -وفق البيان- الإبلاغ عن وقوع إصابات، أو أضرار من قبل السفن الأميركية، أو التحالف، أو السفن التجارية، أوضح أنه تقرر أن هذه الطائرات من دون طيار كانت تمثل تهديداً وشيكاً للولايات المتحدة، والتحالف، والسفن التجارية في المنطقة، وأنه يتم اتخاذ هذه الإجراءات لحماية حرية الملاحة، وجعل المياه الدولية أكثر أماناً.

ولم يشر البيان الأميركي إلى مكان الضربات، إلا أن الجماعة الحوثية أقرت عبر وسائل إعلامها بتلقي غارتين وصفتا بـ«الأميركية، والبريطانية» في أحد المواقع التابعة لمديرية باجل شمال مدينة الحديدة.

ويقول الجيش الأميركي إن ضرباته الاستباقية أدت إلى تقليص خطر الهجمات الحوثية على السفن، في وقت تزعم فيه الجماعة أن هجماتها باتت أكثر تطوراً، ودقة، وأنها تطور من قدراتها باستمرار لاستهداف السفن.

سفينة شحن متجهة إلى اليمن تخضع لآلية التفتيش الأممية (السفارة البريطانية لدى اليمن)

وفي وقت سابق أوضحت القوات الأميركية أن واشنطن تتخذ، وبالتنسيق مع الحلفاء والشركاء، خطوات عسكرية، ودبلوماسية، واقتصادية لتشكيل عملية ضغط على قيادة الحوثيين، وتقليص قدرتهم على شن هجمات على خطوط الشحن التجاري.

وقالت القيادة المركزية الأميركية إنه منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وحتى 11 من أبريل الحالي قام المسلحون الحوثيون بمهاجمة أو تهديد السفن التجارية، والسفن البحرية الأميركية 122 مرة. وفي خلال الفترة نفسها قامت البحرية الأميركية بـ50 ضربة للدفاع عن النفس، حيث استخدمت الجماعة في هجماتها صواريخ باليستية، وصواريخ كروز مضادة للسفن، وأنظمة جوية من دون طيار لاستهداف السفن.

وطبقاً للجيش الأميركي، أثرت هجمات الحوثيين على مصالح أكثر من 55 دولة، وهدّدت التدفق الحر للتجارة عبر البحر الأحمر، الذي هو حجر الأساس للاقتصاد العالمي. ودفعت هذه الهجمات أكثر من عشر شركات شحن كبرى إلى تعليق عبور سفنها عبر البحر الأحمر؛ ما تسبب في ارتفاع أسعار التأمين على السفن في المنطقة، والأهم من ذلك تعريض حياة البحارة الأبرياء، وأفراد الخدمة الأميركية للخطر.

ثبات الموقف الحكومي

لم يتغير موقف الحكومة اليمنية من التصعيد البحري الحوثي، والضربات الغربية التي ترى أنها غير مجدية، وأن الحل هو دعم قواتها الشرعية لاستعادة كامل الأراضي اليمنية، بما فيها الحديدة وموانئها.

وفي أحدث تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، قال إن الحل الوحيد لإيقاف التهديدات وتأمين البحر الأحمر هو دعم الحكومة الشرعية اليمنية، وقدراتها، لكي تستعيد المناطق الواقعة تحت سيطرة من وصفها بـ«الميليشيات الإيرانية التي تهاجم اليوم الملاحة الدولية»، في إشارة إلى الحوثيين.

قوات من خفر السواحل اليمنية الحكومية قبالة ميناء المخا على البحر الأحمر (أ.ف.ب)

وتجدد الموقف خلال كلمة المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي، الاثنين الماضي، أمام مجلس الأمن، حيث اتهم الجماعة الحوثية بالهروب من التزامات السلام، وبتقويض العملية السياسية من خلال قيامها بما وصفه بـ«تصعيد مدمّر في البحر الأحمر بذريعة مساندة غزة».

وقال السعدي «إن الميليشيات قامت بمضاعفة قيودها، وانتهاكاتها الجسيمة، وتصعيدها العسكري على مختلف الجبهات، رغم وجود هدنة هشة لم تلتزم بتنفيذ بنودها، لأنها لا تستطع العيش إلا في مستنقع الصراع، ومشروعها هو مشروع حرب، وتدمير، وليس مشروع سلام، ولا يمكن أن تتعايش مع المجتمع بسلام». وفق تعبيره.

وكانت واشنطن أطلقت تحالفاً دولياً، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، سمَّته «حارس الازدهار»، لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها على الأرض. وانضم لها الاتحاد الأوروبي للمساهمة في حماية السفن دون توجيه ضربات مباشرة للحوثيين.

ومنذ تدخل الولايات المتحدة عسكرياً، نفَّذت أكثر من 400 غارة على الأرض ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) الماضي لتحجيم قدرات الحوثيين العسكرية، أو لمنع هجمات بحرية وشيكة. وشاركتها بريطانيا في 4 موجات من الضربات الواسعة.

وتعهد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بالاستمرار في شن الهجمات في البحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي، وتبنت جماعته مهاجمة نحو 100 سفينة منذ بدء التصعيد في 19 نوفمبر الماضي، واعترفت بمقتل 37 عنصراً من مسلحيها، وجرح 30 غيرهم.

مسيّرة حوثية لحظة إطلاقها من مكان غير معروف لاستهداف السفن (رويترز)

في مقابل ذلك، أُصيبت 16 سفينة على الأقل خلال الهجمات الحوثية، إلى جانب قرصنة «غالاكسي ليدر»، واحتجاز طاقمها، وتسببت إحدى الهجمات، في 18 فبراير (شباط) الماضي، في غرق السفينة البريطانية «روبيمار» بالبحر الأحمر بالتدريج.

كما تسبب هجوم صاروخي حوثي في 6 مارس (آذار) الماضي في مقتل 3 بحّارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس».

ومع مخاوف المبعوث الأممي هانس غروندبرغ من عودة القتال بين القوات الحكومية وقوات الانقلابيين الحوثيين، دعا في أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن إلى فصل الأزمة اليمنية عن قضايا الصراع في المنطقة، أملا في التوصل إلى خريطة سلام تطوي نحو 10 سنوات من الصراع في البلد المنهك.


اليمن يستنفر لمواجهة المنخفض الجوي في المحافظات الشرقية

السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
TT

اليمن يستنفر لمواجهة المنخفض الجوي في المحافظات الشرقية

السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)
السلطة المحلية في حضرموت اليمنية تتأهب لآثار المنخفض الجوي المرتقب (سبأ)

استنفرت الحكومة اليمنية والسلطات المحلية في المحافظات الشرقية؛ استعداداً لمواجهة المنخفض الجوي المرتقب، وسط تشديد رئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك على التأهب لكل الاحتمالات.

ومع تغيرات المناخ في العالم، تعرّض اليمن، في السنوات الأخيرة، لموجات موسمية من الأعاصير والأمطار التي تسببت في فيضانات وأدت إلى خسائر في الأرواح والممتلكات، ولا سيما في محافظات حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى، كان آخِرها، العام الماضي، العاصفة المدارية «تيج».

رئيس الحكومة اليمنية شدّد على الاستعداد لمواجهة المنخفض الجوي شرق البلاد (سبأ)

وذكر الإعلام الرسمي أن رئيس مجلس الوزراء أحمد عوض بن مبارك تابع مسار المنخفض الجوي المتوقع أن يتوجه إلى المحافظات الشرقية، وأبرزها المهرة ومديريات الوادي والصحراء بمحافظة حضرموت، ومدى استعداد السلطات المحلية وغرف الطوارئ للتعامل مع التداعيات المحتملة للمنخفض.

وأجرى بن مبارك - وفق وكالة «سبأ» الحكومية - اتصالات مع محافظ المهرة محمد علي ياسر، ووكيل محافظة حضرموت لشؤون الوادي والصحراء عامر العامري، واستمع إلى شرح حول تطورات المنخفض الجوي، والتوقعات على ضوء تقارير الأرصاد الجوية، والاستعدادات القائمة للتعامل مع كل الاحتمالات والإجراءات التي جرى اتخاذها، بما في ذلك تعليق الدراسة بالمهرة، ومنع الصيادين من الدخول إلى البحر، وتشكيل لجان طوارئ فرعية بمديريات الوادي والصحراء.

وشدد رئيس الوزراء اليمني على أهمية تكثيف الجهود لتجاوز تداعيات المنخفض الجوي المحتملة، والتركيز، في المقام الأول، على حماية السكان، وتحذيرهم بالابتعاد عن الأودية ومجاري السيول، واتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر، منوهاً بالإجراءات الاستباقية المتخَذة وضرورة الإسناد المجتمعي لهذه الجهود.

تدابير محلية

في سياق الاستعداد للمنخفض الجوي، الذي يتوقع أن يستمر حتى السبت المقبل، أقرّت لجنة الطوارئ، برئاسة وكيل محافظة حضرموت لشؤون مديريات الوادي والصحراء، عامر العامري، جملة من الإجراءات والتوجيهات بشأن تنسيق الجهود، ووضع الترتيبات اللازمة لأخذ الاحتياطات الاحترازية لأي تطورات متوقعة بشأن المنخفض الجوي المتوقع أن تتأثر به مديريات الوادي والصحراء.

تقلب المناخ أدى إلى معاناة اليمن خلال السنوات الأخيرة من الفيضانات (إ.ب.أ)

ونقل الإعلام الرسمي عن الوكيل العامري تأكيده ضرورة متابعة سير الحالة المناخية، وأخذ الحيطة والحذر، والتأكد من جاهزية المُعدات والأدوات التابعة لعدد من المرافق، ووضعها تحت طلبات لجنة الطوارئ، وتوجيه مديري عموم المديريات بتشكيل لجان طوارئ فرعية بالمديريات.

وشدد العامري على أن تتحمل كل الأجهزة التنفيذية مسؤوليتها المشتركة في هذا الظرف، ومضاعفة الجهود لمواجهة أية تطورات محتملة لهذا المنخفض.

في السياق نفسه، استمعت لجنة الطوارئ من مدير عام مطار سيئون الدولي، علي باكثير، إلى صورة موجزة لما تتضمنه النشرات الجوية الصادرة عن مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر، ومدى تأثر مديريات وادي حضرموت والصحراء بالمنخفض الجوي الذي يتوقع أن يستمر حتى السبت المقبل.

وأكدت لجنة الطوارئ العمل وفق المهام المُلقاة على عاتق كل الجهات الحكومية والأهلية بحسب الإمكانيات المتوفرة لديهم، والاستفادة منها إذا اقتضت الحاجة ذلك. وشددت اللجنة على أهمية إزالة أية عوائق تتسبب في انسدادات بالأودية الفرعية.

وكان مركز التنبؤات الجوية والإنذار المبكر قد حذّر من تأثر اليمن بأمطار رعدية متفاوتة الشدة على سواحل ومرتفعات وصحاري محافظتي المهرة وحضرموت.

ووفق بلاغ للمركز، أظهرت صور الأقمار الصناعية تأثر اليمن بأمطار رعدية، مع توقع استمرار هطول الأمطار على المرتفعات والمنحدرات الغربية، من صعدة شمالاً حتى الضالع وتعز، وتمتد حتى لحج جنوباً، وشرقاً حتى محافظات أبين وشبوة والجوف ومأرب.

أمطار غزيرة في صنعاء أدت إلى فيضان الشوارع (إ.ب.أ)

وشدد المركز على السكان وسائقي المركبات أهمية الابتعاد عن بطون الأودية ومجاري السيول، وعن السير في الطرق الطينية الزلقة بالمناطق المتوقع هطول أمطار فيها، وحذّر من الاقتراب من أعمدة الكهرباء واللوحات الإعلانية والأشجار، ودعا إلى إغلاق الهواتف النقالة أثناء العواصف الرعدية، كما حذّر من نشاط الرياح أثناء العواصف الرعدية.

وفي حين لفت المركز إلى أنه يتابع تطورات الحالة الجوية على مدار 24 ساعة، وأنه ستجري موافاة وسائل الإعلام بآخِر المستجدّات لها، كان مكتب التربية والتعليم بمحافظة المهرة (شرق) قد علّق الدراسة، أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس؛ حرصاً على سلامة الطلاب والطالبات، على أن يجري استئناف الدراسة الأحد المقبل.

ووجّه المكتب الإدارات التعليمية والمدرسية بأخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع التغيرات المناخية، وتجهيز المدارس لإيواء المتضررين خلال الأيام المقبلة.


مقتل 25 مدنياً بدارفور في اشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع»

اللاجئون السودانيون يتجمعون بينما تساعد فرق «أطباء بلا حدود» جرحى الحرب من غرب دارفور (رويترز)
اللاجئون السودانيون يتجمعون بينما تساعد فرق «أطباء بلا حدود» جرحى الحرب من غرب دارفور (رويترز)
TT

مقتل 25 مدنياً بدارفور في اشتباكات بين الجيش و«الدعم السريع»

اللاجئون السودانيون يتجمعون بينما تساعد فرق «أطباء بلا حدود» جرحى الحرب من غرب دارفور (رويترز)
اللاجئون السودانيون يتجمعون بينما تساعد فرق «أطباء بلا حدود» جرحى الحرب من غرب دارفور (رويترز)

أفادت منظمة حقوقية سودانية، أمس الثلاثاء، بأن 25 مدنياً قُتلوا في اشتباكات مسلّحة اندلعت بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور التي لجأ إليها كثير من النازحين، بعدما ظلّت لفترة طويلة بمنأى عن الحرب الدائرة بين الطرفين منذ عام.

وقالت «محامو الطوارئ»، وهي منظمة حقوقية مؤيدة للديموقراطية، في بيان، إن «25 قتيلاً و100 جريح سقطوا في الاشتباكات بين الجيش و(الدعم السريع) في الأحياء الغربية لمدينة الفاشر، خلال اليومين الماضيين».

و«محامو الطوارئ» منظمة توثّق الانتهاكات التي تُرتكب بحقّ المدنيين في الحرب الدائرة بين الجيش و(الدعم السريع) في 15 أبريل (نيسان) 2023.

بدوره، قال مصدر طبّي بمستشفى الفاشر الجنوبي، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء، إن «عشرات الإصابات من المدنيين وصلت إلى المستشفى بسبب اشتباكات اليوم».

وأضاف المصدر، طالباً عدم كشف هويته: «نعاني نقصاً في الدم والكوادر».

من جهتهم، أفاد شهود عيان، «وكالة الصحافة الفرنسية»، بأن الاشتباكات دفعت مئات النازحين إلى الفرار من مخيم أبوشوك إلى مدينة الفاشر القريبة منه، بعدما وصلت المعارك إلى قلب المخيّم.

وقوات «الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو، المعروف بـ«حميدتي»، تسيطر حالياً على أربع من عواصم ولايات دارفور الخمس، ما عدا الفاشر التي تضمّ مجموعات مسلّحة متمرّدة كانت قد تعهّدت، حتى الأمس القريب، بالوقوف على مسافة واحدة من طرفي الحرب، مما جنّبها الانزلاق إلى القتال.

لكنّ هذا الموقف تبدّل، الأسبوع الماضي، مع إعلان جماعات متمردة أنّها قرّرت خوض القتال ضدّ قوات «الدعم السريع» بسبب «الاستفزازات والانتهاكات» المتّهمة بارتكابها هذه القوات في الفاشر.

وتشهد ولاية شمال دارفور، منذ أيام، اشتباكات على جبهتين؛ الأولى بين قوات «الدعم السريع» والحركات المسلّحة غرب الفاشر، وفي مدينة مليط التي تقع إلى الشمال منها على بُعد 100 كيلومتر، والثانية بين قوات «الدعم» والجيش في الفاشر نفسها.

ودفعت اشتباكات الفاشر إلى تصاعد القلق الدولي على مصير المدينة التي كانت مركزاً رئيسياً لتوزيع الإغاثة والمساعدات.

وخلال عام واحد، أدّت الحرب في السودان إلى سقوط آلاف القتلى، بينهم ما يصل إلى 15 ألف شخص في الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، وفق خبراء الأمم المتحدة.

كما دفعت الحرب البلاد، البالغ عدد سكانها 48 مليون نسمة، إلى حافة المجاعة، ودمّرت البنى التحتية المتهالكة أصلاً، وتسبّبت بتشريد أكثر من 8.5 مليون شخص، وفقاً للأمم المتحدة.


كيف تتعامل مصر مع تداعيات استمرار التوتر في البحر الأحمر؟

سفينة حاويات في قناة السويس (رويترز)
سفينة حاويات في قناة السويس (رويترز)
TT

كيف تتعامل مصر مع تداعيات استمرار التوتر في البحر الأحمر؟

سفينة حاويات في قناة السويس (رويترز)
سفينة حاويات في قناة السويس (رويترز)

جدّد تقرير صادر عن «البنك الدولي» المخاوف بشأن تداعيات التوتر في البحر الأحمر، على مصر، وكيف يمكن للقاهرة تجنب زيادة حدة أزمتها الاقتصادية، لا سيما مع استمرار هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على السفن المارة بواحد من أهم ممرات التجارة العالمية، التي أدت إلى تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة تتجاوز 40 في المائة.

وتستهدف الجماعة اليمنية، منذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، سفناً بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، تقول إنها «مملوكة أو تشغّلها شركات إسرائيلية»، وتأتي الهجمات رداً على الحرب المستمرة في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية لتجنب المرور في البحر الأحمر، وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، رغم ما يسببه هذا التغيير من ارتفاع في تكلفتَي الشحن، المالية والزمنية.

ووفق تقرير لـ«البنك الدولي»، صدر مساء (الاثنين)، تحت عنوان «الصراع والديون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، فإن استمرار الأزمة الناجمة عن هجمات الحوثيين على السفن المارة في البحر الأحمر، وانخفاض حركة عبور قناة السويس بنسبة 40 في المائة خلال عام 2024، «سيتسببان في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر، أي ما يعادل 10 في المائة من صافي الاحتياطات الدولية في البلاد، وهو مبلغ قد يغطي تكلفة الاستيراد لنحو نصف شهر»، بحسب التقرير.

وتعد قناة السويس مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية لمصر، حيث «بلغت إيراداتها 8.8 مليار دولار، أي ما يعادل 25 في المائة من صافي الاحتياطات الدولية في عام202»، كما لفت التقرير، الذي أشار إلى أن «القناة كانت مسؤولة عن نحو ثُمن حركة الشحن العالمية، وما يعادل 30 في المائة من حركة الحاويات في العالم».

وقال «البنك الدولي» إن «مصر قد تعاني أكثر من غيرها مالياً؛ بسبب تداعيات الأزمة في قناة السويس، والصراع في الشرق الأوسط، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإيرادات وعائدات السياحة». وأضاف أن «التأثير الاقتصادي للصراع في غزة ظل محدوداً نسبياً في باقي دول المنطقة، لكن حالة عدم اليقين ازدادت»، لافتاً إلى أن «طول أمد الاضطرابات وتأثيرها في حركة المرور عبر قناة السويس قد يرفعان من أسعار السلع الأساسية إقليمياً وعالمياً».

ونقلت وكالة «رويترز»، (الثلاثاء)، عن الرئيس التنفيذي لشركة الشحن الألمانية «هاباغ لويد»، قوله إن «الأزمة في البحر الأحمر ستستمر لبعض الوقت، وتحويل مسار السفن سيتواصل». و«هاباغ لويد» واحدة من شركات شحن علقت عملياتها في قناة السويس، وحوّلت مسار السفن التابعة لها إلى رأس الرجاء الصالح.

ويؤكد التقرير الدولي ما تشكو منه مصر منذ بداية الحرب في غزة، وفق الخبير الاقتصادي، وأستاذ التمويل والاستثمار الدكتور مصطفى بدرة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحديث عن تراجع عائدات قناة السويس المصرية بنسب تتجاوز 40 في المائة مستمر منذ بداية الأزمة، تزامناً مع تأكيدات بتراجع إيرادات السياحة؛ بسبب الحرب في غزة»، ولفت إلى أن «الصراع في الشرق الأوسط يفاقم من أزمات مصر الاقتصادية، ويؤثر في تدفقات العملة الصعبة في البلاد».

وكان رئيس هيئة قناة السويس المصرية، الفريق أسامة ربيع، توقّع، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أن تتراجع عائدات القناة بنسبة 40 في المائة خلال العام الحالي، إذا استمرّت الأزمة. كما أعلنت منظّمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، في يناير أيضاً، «انخفاض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 42 في المائة خلال الشهرين الماضيين، جراء هجمات الحوثيين».

وسبق أن حذر «البنك الدولي»، في فبراير (شباط) الماضي، من نشوب أزمة عالمية في سلال الإمدادات حال استمرار هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر 3 أشهر إضافية، وقال إنها «ستكون أزمة شبيهة بتلك التي عاشها العالم خلال جائحة (كوفيد-19)».

عودة إلى الخبير الاقتصادي، الذي أشار إلى «تكرار التحذيرات والتقارير الدولية التي ترصد الواقع، دون محاولة لتقديم حلول للأزمة». وأوضح بدرة أن «مصر تعاني اقتصادياً؛ بسبب أحداث سياسية لا شأن لها بها، وهي بالضرورة غير قادرة على تغييرها».

وقال: «في ظل الوضع الحالي واستمرار التوتر في البحر الأحمر لا يمكن لمصر إجبار السفن على المرور بقناة السويس، أو دفع السياح إلى زيارة سيناء مثلاً، مما يعني تراجع عائدات أهم الموارد الدولارية في البلاد»، مطالباً الهيئات والمؤسسات الدولية بـ«تقديم حلول لدعم الاقتصاد المصري الذي يتعرض لهزات لا ذنب له فيها».

وبينما، يؤكد الخبير الاقتصادي، الدكتور عز الدين حسانين، أن ما «تعانيه مصر ناتج عن تطورات جيوسياسية لا ذنب للبلاد فيها»، يرى أن «الحل لن يكون بمزيد من القروض والمساعدات». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن قناة السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج موارد معرضة للتأثر بعوامل خارجية».

واقترح حسانين لتجاوز الأزمة تغيير نوعية الموارد الدولارية بالتحول نحو الصناعة، بدلاً من الاعتماد على الخدمات، مقترحاً أن «تتجه مصر لزيادة الاستثمارات الخارجية المباشرة من دول أفريقية، جنباً إلى جنب مع دعم القطاع الخاص، والاعتماد على المنتج المحلي أسوة بما حدث خلال فترة الجائحة التي نجحت خلالها البلاد في تحقيق معدل نمو اقتصادي جيد رغم الإغلاق».

ويبدو أن مصر تتخذ خطوات لمواجهة الأزمة على أصعدة عدة، بين تعهدات حكومية متكررة بـ«دعم القطاع الخاص»، والعمل على جذب صفقات استثمارية خارجية كان آخرها، إعلانها في فبراير الماضي توقيع صفقة لتنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي، مع الشركة القابضة «إيه دي كيو»، أحد صناديق الثروة السيادية الإماراتية، من شأنها أن تجلب للبلاد 35 مليار دولار على مدى شهرين.

مع محاولات الحصول على مساندة دولية، حيث اتفقت مع صندوق النقد الدولي على زيادة قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار بدلاً من 3 مليارات دولار في السابق، إضافة إلى السعي للحصول على 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد لصالح البلدان الضعيفة ذات الدخل المنخفض أو المتوسط.

ووقّعت القاهرة مع الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) اتفاق شراكة يتضمن «تقديم حزمة دعم مالي في مجالات التجارة والاستثمار بقيمة 7.4 مليار يورو».

وفي مارس الماضي، أعلن البنك الدولي عزمه تقديم أكثر من 6 مليارات دولار لمصر على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بواقع 3 مليارات دولار ستوجه إلى البرامج الحكومية، ومثلها لدعم القطاع الخاص.

وأسهمت التدفقات الدولارية الأخيرة في التخفيف من حدة أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد منذ سنوات إثر تداعيات الجائحة، والحرب الروسية - الأوكرانية، وأخيراً الحرب في غزة؛ مما تسبب في موجة غلاء تزامنت مع تراجع سعر صرف العملة المحلية، وصعوبة في توفير الدولار.


مصر وتركيا لترسيخ العلاقات بعد إنهاء القطيعة

الرئيس المصري يصافح نظيره التركي لدى زيارته القاهرة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس المصري يصافح نظيره التركي لدى زيارته القاهرة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
TT

مصر وتركيا لترسيخ العلاقات بعد إنهاء القطيعة

الرئيس المصري يصافح نظيره التركي لدى زيارته القاهرة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس المصري يصافح نظيره التركي لدى زيارته القاهرة في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

تتجه القاهرة وأنقرة بخطى متسارعة نحو ترسيخ العلاقات بين البلدين، عقب سنوات من القطيعة، حيث من المنتظر أن يزور وزير الخارجية المصري، سامح شكري، تركيا، نهاية الأسبوع الحالي، وفق مصادر مطلعة، ما عده خبراء «تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة»، سبق أن أعُلن عنها.

وقالت مصادر دبلوماسية تركية، الثلاثاء، حسب ما نقلته وكالة «رويترز»، إن «شكري سيزور أنقرة خلال أيام وسيبحث مع نظيره التركي هاكان فيدان التطورات في الشرق الأوسط والأوضاع في غزة»، كما «سيستعرض الوزيران أحدث التطورات المتعلقة بالمفاوضات الرامية لوقف إطلاق النار في غزة». ونقلت صحيفة «الزمان» التركية عن مصادر دبلوماسية أن «غزة ستكون الموضوع الرئيسي على أجندة الوزيرين شكري وفيدان».

وبينما لم يصدر تأكيدٌ من وزارة الخارجية المصرية بشأن الزيارة، ذكرت قناة «القاهرة الإخبارية» عن مراسلها في تركيا قوله إن «شكري سيزور تركيا نهاية الأسبوع الحالي ويلتقي فيدان».

وتعد هذه هي الزيارة الثانية لوزير الخارجية المصري إلى تركيا منذ استعادة العلاقات بين البلدين، حيث كانت الأولى خلال حادث زلزال فبراير (شباط) 2023.

وفي الوقت الذي أشارت فيه المصادر التركية إلى أن المباحثات بين وزيري الخارجية المصري والتركي ستركز على غزة، قال الباحث بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، بشير عبد الفتاح، لـ«الشرق الأوسط»، إن «زيارة شكري لأنقرة تستهدف في الأساس الترتيب لزيارة مرتقبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا، وتحديد أجندة اللقاء وما ستشهده من تعاون تجاري وسياسي بين البلدين»، موضحاً أنها «تأتي في إطار ترسيخ العلاقات بين البلدين بعد سنوات طويلة من القطيعة».

واتفق معه الخبير بالشأن التركي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، كرم سعيد، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «جزءاً من زيارة شكري سيركز على التحضير لزيارة السيسي المرتقبة، والاتفاق على جدول أعمال القمة المصرية-التركية، ووضع النقاط على الحروف بشأن القضايا محل النقاش بين البلدين».

وفي فبراير (شباط) الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نظيره التركي رجب طيب إردوغان، في القاهرة، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 11 عاماً، عدها مراقبون «نقلةً نوعيةً في العلاقات بين البلدين تدفع نحو تعزيز مسار التطبيع».

وقال الرئيس المصري، في مؤتمر صحافي بقصر الاتحادية الرئاسي، مع نظيره التركي، إن «الزيارة تفتح صفحةً جديدةً بين بلدينا بما يثري علاقاتنا الثنائية، ويضعها على مسارها الصحيح»، معرباً عن «تطلعه لتلبية دعوة إردوغان لزيارة تركيا في أبريل (نيسان) المقبل، لمواصلة العمل على ترفيع علاقات البلدين في شتى المجالات بما يتناسب مع تاريخهما وإرثهما الحضاري المشترك».

وشهدت العلاقات المصرية - التركية خلال الأشهر الماضية اتجاهاً متصاعداً نحو التطبيع، بعد عقد كامل من الانقطاع والتوتر، بسبب دعم أنقرة تنظيم «الإخوان» المحظور في مصر، عقب ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. وتسارع مسار التطبيع منذ مصافحة إردوغان والسيسي خلال افتتاح مونديال كأس العالم في قطر عام 2022.

وأعلن البلدان في يوليو (تموز) الماضي ترفيع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء، والتقى رئيسا البلدين مرتين خلال العام الماضي على هامش أحداث دولية، كما التقى وزراء ومسؤولون بارزون في البلدين مرات عدة.

وأكد عبد الفتاح أن «العلاقات المصرية - التركية تسير في خط مستقيم نحو التطوير، والعودة لوضع أفضل مما كانت عليه في السابق»، مشيراً إلى أن «تعزيز التقارب يصب في صالح البلدين، كما يسهم في تسوية النزاعات في الإقليم».

بدوره، أشار سعيد إلى أن «زيارة شكري تأتي استكمالاً لمسار تعزيز العلاقات بين البلدين، لا سيما على الصعيد الاقتصادي الذي يعد محوراً أساسياً لم يتأثر حتى طوال سنوات القطيعة»، لافتاً إلى «زيادة حجم الاستثمارات التركية في مصر، وأن أنقرة أصبحت الوجهة الرئيسية للصادرات التركية».

ووفق بيان لوزارة التجارة والصناعة (الثلاثاء)، فإن تركيا هي أكبر الأسواق المستقبلة للصادرات السلعية المصرية خلال الربع الأول من العام الحالي بقيمة 874 مليون دولار.

وأكد سعيد أن «زيارة شكري المرتقبة لتركيا تأتي في توقيت مهم جداً وحساس، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو على مستوى صراعات الإقليم»، مشيراً إلى أنها «تأتي استكمالاً لمساعي البلدين لتهدئة التوترات في الإقليم وعدم توسيع رقعة الحرب، وتحييد الارتدادات السلبية للتصعيد الإيراني - الإسرائيلي، في ظل رؤية مشتركة بين القاهرة وأنقرة تدعو لوقف الحرب في غزة».

بينما أوضح عبد الفتاح أن «مصر وتركيا دولتان مهمتان لهما علاقات مع دول عدة حوّل العالم من بينها روسيا، وتقاربهما يمكن أن يكون نواة لتجمع إقليمي أكبر يضم دولاً أخرى في المنطقة ما قد يكون له تأثير على تسوية الصراعات الحالية وخلق مساحة من الحوار والتفاهم، لا سيما في ظل التصعيد الإيراني - الإسرائيلي الذي يهدد بدحرجة المنطقة إلى حرب إقليمية».


«تفويض وزاري» يعيد الجدل حول تغيير الحكومة المصرية

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماع مع عدد من المسؤولين (الحكومة المصرية)
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماع مع عدد من المسؤولين (الحكومة المصرية)
TT

«تفويض وزاري» يعيد الجدل حول تغيير الحكومة المصرية

رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماع مع عدد من المسؤولين (الحكومة المصرية)
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي خلال اجتماع مع عدد من المسؤولين (الحكومة المصرية)

أعاد «تفويض» منحه وزير النقل المصري لأحد رؤساء الهيئات التابعة لوزارته، الجدل في مصر حول تغييرات قد تشهدها حكومة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مع بداية ولاية جديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل (نيسان) الحالي.

وتفاعلت وسائل إعلام مصرية، ومنصات التواصل الاجتماعي مع انتشار خبر قيام وزير النقل كامل الوزير بتفويض رئيس هيئة الطرق والكباري اللواء حسام مصطفى في مباشرة بعض اختصاصاته، رغم وصف وزارة النقل التفويض بأنه «مقصور»، نافية أي تفسيرات متعلقة بحكومة جديدة.

وقالت وزارة النقل المصرية إن إصدار الوزير «قراراً بتفويض رئيس هيئة الطرق والكباري لمباشرة اختصاصات وزير النقل»، «خبر غير صحيح»، وأوضحت الوزارة في بيان إعلامي، مساء الاثنين، أن «القرار الوزاري رقم 22 لسنة 2024 مقصور على تفويض وزير النقل لرئيس هيئة الطرق والكباري في إصدار قرارات إزالة التعديات على أملاك وأراضي الهيئة فقط، بهدف حماية المال العام الذي تحرص وزارة النقل عليه».

وأعاد «التفويض» الجدل حول التغيير المرتقب في الحكومة المصرية، ورأى بعض المتابعين أنه قد «يرجح» طرح اسم وزير النقل لتشكيل الحكومة الجديدة، وتصدر اسم كامل الوزير قائمة «الهاشتاغ»، الثلاثاء، على منصة «إكس»، وتساءل حساب باسم «داليا»: «معقول هيكون رئيس الوزراء الجديد؟».

وتوقع حساب يحمل اسم «عصام طاهر»، تعيين كامل الوزير رئيساً لمجلس الوزراء.

وأدى السيسي، أوائل أبريل الحالي، اليمين الدستورية أمام البرلمان بالعاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة)، لولاية رئاسية أخيرة، تمتد حتى 2030. وجرى العرف أن تتقدم الحكومة باستقالتها للرئيس عقب حلفه اليمين الدستورية، من دون إلزام دستوري بذلك.

ويرأس مدبولي الحكومة الحالية منذ يونيو (حزيران) 2018، وأجرى تعديلات عدة على تشكيلاته الحكومية كان أكبرها في صيف 2022 بعدما شمل التعديل 12 وزيراً.

وطرح حساب باسم «يحيى»، تساؤلاً بقوله: «هل كامل الوزير هيبقى رئيس وزراء في الحكومة الجديدة ولا إيه؟».

وأرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس الدكتور سعيد الزغبي، الجدل حول تغيير الحكومة المصرية، وتواصل «التكهنات» إلى «التأخر» في الإعلان الرسمي عن موقف الحكومة الحالية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «توجد علاقة طردية بين تأخر الإعلان الرسمي، وبين تواصل التكهنات، فكلما تأخر الإعلان عن التغيير زادت التكهنات».

ووفق الزغبي، فإن «الجدل حول التغيير الوزاري يعود بالأساس إلى أمرين: الأول أنه مع أي رئيس جديد أو ولاية رئاسية جديدة، يتطلع الشعب إلى فترة جديدة ووجوه جديدة، وهذه ثقافة مصرية»، الأمر الثاني، وفق الزغبي أن «المواطن المصري يقوم بـ(شخصنة) الأزمات، فعندما يواجه مثلاً أزمة مع السكر، فإنه يرى أن وزير التموين هو السبب، لذلك فإن الصدمات التي تلقاها الاقتصاد المصري بسبب الظروف العالمية جعلت الناس يحملون الحكومة الحالية مسئوليتها، ويريدون حكومة جديدة».

ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي أن كل ما يثار من جدل حول التغيير الوزاري مجرد «تكهنات» لا تحمل أي دلالة سياسية، إذ إنه لا توجد معلومات عن التغيير، لكنه «وارد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تحليل المشهد الحالي ينبئ باتجاهين، الأول هو اختيار رئيس حكومة اقتصادي، بهدف التعاطي مع الأزمة الراهنة، والاتجاه الثاني، رئيس وزراء سياسي، يختار مجموعة اقتصادية معاونة»، لكن «لا توجد معلومات»، ووفق فهمي، فإن «مصر تحتاج إلى تغيير سياسات وليس أشخاصاً، فالقضية ليست في التغيير، بل في خلفية وإنجازات من يتولى المسؤولية».


«الأمم المتحدة» تعثر على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل في مدارس بغزة

الأونروا تكشف العثور على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل داخل مدارس خان يونس في غزة (إ.ب.أ)
الأونروا تكشف العثور على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل داخل مدارس خان يونس في غزة (إ.ب.أ)
TT

«الأمم المتحدة» تعثر على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل في مدارس بغزة

الأونروا تكشف العثور على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل داخل مدارس خان يونس في غزة (إ.ب.أ)
الأونروا تكشف العثور على قنابل غير منفجرة تزن ألف رطل داخل مدارس خان يونس في غزة (إ.ب.أ)

أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، اليوم (الثلاثاء)، العثور على قنابل غير منفجرة تزن 1000 رطل (نحو 460 كيلوغراماً) داخل مدارس بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة.

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، نفّذ الجيش الإسرائيلي غارات جوية وقصفاً متواصلاً في غزة، منذ أن هاجم مقاتلو «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقالت الأونروا إن وكالات «الأمم المتحدة» قادت «مهمة تقييم» في خان يونس، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المدينة المحاصرة، الأسبوع الماضي.

وبحسب الوكالة، فقد وجدت تحديات كبيرة في العمل بأمان، بسبب وجود ذخائر غير منفجرة، بما في ذلك قنابل تزن 1000 رطل داخل المدارس وعلى الطرق.

وأضافت، في بيان، أن «آلافاً من النازحين داخلياً يحتاجون إلى مجموعة من المساعدات المنقذة للحياة، بما في ذلك الصحة والمياه والصرف الصحي والغذاء».

وقالت «الأمم المتحدة»، في وقت سابق من هذا الشهر، إن الأمر سيستغرق ملايين الدولارات وسنوات كثيرة لتطهير القطاع من الذخائر غير المنفجرة.

وقال رئيس دائرة «الأمم المتحدة» للأعمال المتعلقة بالألغام، تشارلز بيرش، في بيان، في وقت سابق من هذا الشهر: «نعمل وفقاً للقاعدة العامة المتمثلة في أن 10 في المائة من الذخائر لا تعمل كما هو مصمم لها».

وأضاف: «نحن نقدر أن البدء في تطهير غزة يتطلب نحو 45 مليون دولار».

واندلعت الحرب على إثر هجوم غير مسبوق نفذته حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) على الأراضي الإسرائيلية من غزة، وأدى إلى مقتل 1170 شخصاً، معظمهم من المدنيين، حسب أرقام لوكالة «فرانس برس» استناداً إلى بيانات إسرائيلية رسمية.

ورداً على ذلك، توعدت إسرائيل بالقضاء على «حماس» التي تسيطر على غزة منذ 2007، وتعدّها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «إرهابية».

وأدت الحرب إلى مقتل 33843 شخصاً في القطاع، غالبيتهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة التابعة لـ«حماس».


انقلابيو اليمن يحشدون المعلمين لزيارة جبهات القتال

أكثر من 2.5 مليون طالب حرمهم الحوثيون من حقهم في التعليم (رويترز)
أكثر من 2.5 مليون طالب حرمهم الحوثيون من حقهم في التعليم (رويترز)
TT

انقلابيو اليمن يحشدون المعلمين لزيارة جبهات القتال

أكثر من 2.5 مليون طالب حرمهم الحوثيون من حقهم في التعليم (رويترز)
أكثر من 2.5 مليون طالب حرمهم الحوثيون من حقهم في التعليم (رويترز)

في الوقت الذي لا يزال يعاني فيه المعلمون اليمنيون في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أوضاعاً معيشية مأساوية بسبب توقف رواتبهم، أقدمت الجماعة، بالتزامن مع أيام عيد الفطر، على حشدهم في ريف صنعاء لإجبارهم على تنفيذ زيارات ميدانية لجبهات القتال.

وذكرت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات في الجماعة التي تدير قطاع التعليم بمحافظة صنعاء، ألزمت مديري ووكلاء مدارس حكومية في مديريات همدان، وسنحان، وبني مطر، والحيمة، وبني حشيش، بحشد منتسبي القطاع التربوي في تلك المناطق لتنظيم زيارات ميدانية لمسلحي الجماعة.

معلمون وموظفون حكوميون أجبرهم الحوثيون على زيارة الجبهات وتقديم الهدايا (إعلام حوثي)

ويندرج سلوك الجماعة الحوثية، بخصوص زيارة جبهات القتال ومقابر القتلى، ضمن برنامج خاص أعدّته لاستهداف التربويين وموظفي بقية قطاعات الدولة المغتصبة في صنعاء وريفها وبقية المناطق تحت سطوتها لإرغامهم تحت أساليب متعددة على تنفيذ تلك الزيارات الميدانية لإثبات الولاء لها.

ومن خلال وسائل القمع والحرمان من أقل الحقوق، والتهديد بالفصل الوظيفي، أجبرت الجماعة مئات المعلمين والتربويين في مديريات محافظة صنعاء على المشاركة قسراً في زيارات جماعية إما لمقابر القتلى، أو للمقاتلين في الجبهات.

واشتكى معلمون في ريف صنعاء لـ«الشرق الأوسط» من إلزام الجماعة لهم بالمشاركة في زيارات ميدانية إلى مقاتليها، متجاهلة ما يعانيه الآلاف منهم وأسرهم من الحرمان وشدة الفاقة منذ سنوات أعقبت الانقلاب والحرب وما لحقها من توقف للمرتبات، وتدهور الخدمات، وانقطاع سبل العيش.

وأوضح أحد المعلمين، في ريف صنعاء، أنه توقّع لحظة استدعائه إلى المدرسة حصوله على مساعدة غذائية أو نقدية بمناسبة قدوم العيد، لكنه تفاجأ وكثير من زملائه بأن الاستدعاء من أجل المشاركة في زيارات جماعية إلى مختلف الجبهات.

جانب من زيارة قسرية قام بها تربويون في ريف صنعاء لمقاتلين حوثيين (إعلام محلي)

وتحدّث، ومعلمون آخرون في ريف صنعاء، عن تصاعد وتيرة الاستهداف الحوثي بحقهم، تارة بإجبارهم على تلقي دروس تعبوية، وأخرى بإرغامهم على تلقين الأفكار الطائفية لطلبة المدارس، وكذا تنفيذ زيارة جماعية إلى مقابر القتلى.

وتسعى الجماعة إلى تضليل وخداع الرأي العام الداخلي والخارجي وكذا مقاتليها في الجبهات، بأن أتباعها يحظون بشعبية في أوساط المجتمع اليمني، كما تستغل الجماعة المناسبات الدينية الأخرى ذات المنحى الطائفي لاستقطاب مزيد من المجندين من مختلف الأعمار.

وترجح مصادر تربوية في صنعاء أن الجماعة الحوثية تهدف إلى استكمال تغيير ثقافة المجتمع اليمني برمته، بمَن فيهم الكوادر التعليمية، وصبغها بأفكار طائفية، وكذا استقطاب مزيد من العاملين التربويين لصفوفها.

ويعد هذا السلوك الانقلابي امتداداً لدورات سابقة أجبرت فيها الجماعة منتسبي قطاع التعليم في صنعاء وبقية مدن سيطرتها على المشاركة بدورات تطييف قسرية.

موجات تعسف

وجاءت الإجراءات الحوثية الأخيرة بحق المعلمين متوازية مع شنّ موجات الجماعة قمع وتعسف وإذلال ضدهم بمناطق سيطرتها على خلفية رفض كثير منهم اعتناق أفكارها الطائفية، وبسبب مشاركتهم وتأييدهم انتفاضة موظفي القطاع العام المطالبين بصرف رواتبهم المتوقفة.

كما تزامنت أيضاً مع ما يعانيه قطاع التعليم بمناطق الحوثيين من تردٍ متسارع، وسط تحذيرات دولية من أن أكثر من 80 في المائة من الطلبة في اليمن في حاجة ماسة إلى مساعدات تعليمية، كاشفة عن تسرّب أكثر من 2.7 مليون طفل يمني من التعليم.

أطفال يزورون في صنعاء مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها (فيسبوك)

وفي تقرير حديث لها، ذكرت منظمة «إنقاذ الطفولة» الدولية أن نحو 4.5 مليون طفل يمني باتوا خارج المدارس، موضحة أن ثلث الأسر في اليمن أبلغت بأن لديها طفلاً واحداً على الأقل تسرّب من المدرسة، وبسبب الرسوم المدرسية الشهرية وتكلفة الكتب المدرسية أصبح التعليم بعيد المنال بالنسبة لكثير.

ووفق التقرير، فإن 2 من كل 5 أطفال، أو 4.5 مليون طفل، خارج المدرسة، مع احتمالية تسرُّب الأطفال النازحين من المدرسة بمقدار الضعف مقارنة بأقرانهم.

وأشارت المنظمة إلى أن نحو 10 ملايين طفل في اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية، في وقت لا يزال فيه أكثر من نصف السكان (18.2 مليون شخص، بينهم 9.8 مليون طفل) بحاجة إلى الدعم المنقذ للحياة.

وأوضح التقرير أن الرسوم المدرسية الشهرية وتكلفة الكتب المدرسية تجعلان التعليم بعيد المنال بالنسبة لكثير، حيث أفاد 20 في المائة من الأسر بأن هذه الرسوم لا يمكن تحملها. وقال أكثر من 44 في المائة من مقدمي الرعاية والأطفال الذين شملهم الاستطلاع، إن الحاجة إلى دعم دخل أسرهم كانت السبب الرئيسي وراء التسرب من المدارس.