رغم أن أفكار وطروحات النازيين تعتبر من المحرمات في ألمانيا، فإن بعض السياسيين الذين ينتمون إلى جناح أقصى اليمين في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، لا يترددون في تكرارها، منهم بيورغ هوكه، زعيم الحزب في ولاية تورينغن شرق ألمانيا. وفي كتاب نشره مؤخراً، يستخدم هوكيه تعابير مرتبطة بالحقبة النازية، لدرجة أن نواباً في حزبه لم يتمكنوا من التمييز بين ما إذا كانت الجمل المقتبسة هي من كتابه، أم من كتاب هتلر «ماين كامف»، أي «كفاحي»، الذي نشر فيه آيديولوجيته عام 1925.
وعندما واجهه صحافي في قناة «زد دي أف» الألمانية، وسأله عن هذا التشابه الكبير في استخدام التعابير النازية، حاول في البداية التبرير والقول بأن النواب من حزبه لم يقرأوا كتابه. ثم ارتبك، وبعد 10 دقائق، قاطع معاونه المقابلة وطلب إعادتها. وعندما رفض الصحافي انسحب وهو يهدد الصحافي، ويقول له، والكاميرات ما زالت تسجل، «لا نعرف ما قد يحدث… ربما قد تصبح شخصاً مثيراً للاهتمام سياسياً في هذا البلد».
«تهديد» السياسي المتطرف لهذا الصحافي يأخذ أبعاداً خطيرة في بلد شهد قبل أشهر قليلة اغتيال عمدة بلدة في ولاية هيسه هو والتر لوبكيه، بسبب تأييده للاجئين، على يد يميني متطرف قال إنه «مستاء وغاضب» من أفكار لوبكيه السياسية المنفتحة تجاه اللجوء.
ولم تكن هذه الحادثة الأولى المثيرة للجدل التي يتورط بها هوكه. فقبل عامين أثار موجة انتقادات كبيرة عندما انتقد وجود مجسم للهولوكست في برلين، ووصفه بأنه «مجسم العار في قلب العاصمة»، داعياً إلى تغيير «180 درجة في سياسة تذكر الماضي»، ما ترجمه آخرون على أنه دعوة لـ«نسيان التاريخ الأسود لألمانيا» والمضي قدماً. ومع ذلك، لا يبدو أن أياً من هذه الأحداث تؤثر على شعبية هوكه نفسه، ولا على شعبية حزبه. فولاية تورينغن التي يتزعم فيها هوكه حزب «البديل من أجل ألمانيا» تستعد لانتخابات محلية في نهاية الشهر المقبل. وحتى الآن، تشير الاستطلاعات إلى أن هذا الحزب سيحقق تقدماً كبيراً مقارنة بانتخابات عام 2014، ويصبح الحزب الثاني في الولاية. والتناقض لا يمكن أن يكون أكبر في هذه الولاية التي كانت يوماً شيوعية تحت حكم السوفيات. فهي الولاية الوحيدة التي يترأسها حالياً رئيس وزراء من حزب «دي لينكا» اليساري المتطرف. وحزب «دي لينكا» يحل أولاً منذ عام 2014، وهو ما زال يحظى بالنسبة نفسها تقريباً، حسب الاستطلاعات، وهي نسبة تصل إلى 28 في المائة من أصوات الولاية. إلا أن «البديل من أجل ألمانيا» بات ثانياً، حسب الاستطلاعات، بنسبة 25 في المائة في ارتفاع كبير عن عام 2014، حيث لم يحظ إلا بـ10 في المائة من أصوات الولاية. ويتقدم هذا الحزب اليميني المتطرف هناك على حساب الحزبين الرئيسيين؛ اليمين الوسط وهو «حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي» الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل، واليسار الوسط المشارك في الائتلاف الحاكم وهو «الحزب الديمقراطي الاشتراكي».
هذا التقدم في ولاية تورينغن يعكس تقدم الحزب اليميني في معظم ولايات شرق البلاد التي كانت شيوعية، وتحولت في السنوات الماضية إلى معقل اليمين المتطرف. فقبل بضعة أسابيع نجح «البديل من أجل ألمانيا» في تحقيق مكاسب كبيرة في ولايتي براندنبيرغ وساكسونيا، وتحول إلى الحزب الثاني في كلتا الولايتين. وتضم ولاية ساكسونيا مدينة كمنتس التي كانت تعرف بمدينة كارل ماكس سابقاً، وخرجت إلى الأضواء العام الماضي بعد سلسلة مظاهرات نظمها اليمين المتطرف عقب قتل لاجئ لشاب محلي. وخرجت صور من المدينة حينها تظهر مطاردة مجموعات من اليمين المتطرف للاجئين وهم يهددونهم ويضربونهم.
ورغم أن الأوضاع هدأت قليلاً في كيمنتس، إلا أن المدينة ما زالت معقلاً لليمين المتطرف.
وأمس، أعلنت الشرطة على موقعها عن اعتداء وقع يوم الأحد الماضي نفذه شخص من اليمين المتطرف معروف للشرطة، ضد لاجئ ليبي مقعد يبلغ من العمر 31 عاماً. وحسب الشرطة، فقد تعرض اللاجئ للضرب والشتم على يد شاب يبلغ من العمر 22 عاماً دفعه عن كرسيه المتحرك. واتصل أحد الشهود بالشرطة التي قالت إنها اعتقلت المتهم وهو معروف لديها وينتمي لـ«أوساط اليمين المتطرف»، واعتقل في السابق بتهم تتعلق بتنفيذ اعتداءات كراهية ضد الأجانب. وقال الادعاء الذي تسلم القضية إنه كان يحقق في البداية فيما كان الدافع وراء الاعتداء هو أن الشاب مقعد، أم أنه بدافع كراهية الأجانب، مضيفاً، حسب صحيفة «بيلد»، أنه يثبت من الدافع الثاني. وأصيب اللاجئ الليبي بجروح طفيفة وعولج في المستشفى. وكانت امرأة (29 عاماً) سمعت المشاجرة واستدعت الشرطة. وقال الضحية، في تصريحات لصحيفة «بيلد» الألمانية، إن عدداً من الرجال اقتربوا منه، وسبوه بـ«العربي القذر»، ثم قام أحدهم بتسديد لكمات في وجهه، وقال: «لقد لكمني باستمرار، حتى سقطت من على الكرسي... وعندما وقعت على الأرض ركلني بقدمه».
وحسب أول دراسة يجريها باحثون عن استخدام الشرطة للعنف على نحو غير قانوني في ألمانيا، فإن عدد الحالات غير المعروفة يُقدر سنوياً، بناءً على ذلك، بـ10 آلاف حالة على الأقل. ونشر علماء من جامعة «بوخوم» الألمانية، أمس الثلاثاء، تقريراً لدراسة «الإصابة الجسدية في الخدمة»، التي شملت بيانات نحو 3400 فرد يُشتبه في أنهم ضحايا لعنف غير قانوني من جانب الشرطة. وحسب إحصائية رسمية، يُجري الادعاء العام سنوياً تحقيقات ضد نحو 4 آلاف شرطي للاشتباه في ألفي حالة عنف شرطي خارج إطار القانون. وأشار الباحثون إلى أنهم تعاملوا بحذر شديد مع النسبة التي توصلوا إليها.
ونفى البروفسور، توبايس زينجلنشتاين، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية، ادعاء بأن الأفراد الذين شملتهم الدراسة من الممكن أن يكونوا أدلوا باتهامات غير صحيحة ضد أفراد الشرطة، موضحاً أن الأفراد الذين شملهم الاستطلاع أبدوا تحفظاً كبيراً وخوفاً خلال الإدلاء ببيانات للدراسة. وحسب الدراسة، التي يواصلها فريق البحث حتى الآن، فإن 7 في المائة فقط من الوقائع المبلغ عنها تم تحريك دعوى قضائية فيها أو صدرت فيها عقوبة.
التعابير النازية المحرمة تجد طريقها إلى المشهد السياسي الألماني
مع تقدم اليمين المتطرف في معظم ولايات شرق البلاد الشيوعية سابقاً
التعابير النازية المحرمة تجد طريقها إلى المشهد السياسي الألماني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة