لا يكون احتفال شخصية ما من الوسط الفني في مناسبة مثل «عيد ميلاد» تلك الشخصية، واحداً من الأحداث البارزة عادة. إلا أن الأمر يختلف تماماً عندما يدور الحديث عن المخرج السوفياتي - الروسي فلاديمير مينشوف، الذي احتفل مؤخراً بعيد ميلاده الثمانين.
ويعود الاهتمام بشخصية المخرج إلى أعماله التي قدمها، والتي تصنف ضمن قائمة «الأفلام الذهبية» وفق تصنيف المجتمع السوفياتي ومن ثم الروسي. ولو كانت هناك «قائمة ذهبية» لأفضل المخرجين والممثلين الذين عرفهم تاريخ الشاشات الروسية منذ الحقبة السوفياتية وحتى يومنا هذا، فإن مينشوف جدير لا شك بأن يكون واحداً من الأسماء اللامعة على تلك القائمة، سيما وأنه مخرج واحد من أربعة أفلام حصلت على جائزة «أوسكار»، إلا أنه لم يتمكن من السفر للمشاركة في حفل تسليم الجوائز، بسبب «تقارير وشاية» كتبها ضده زملاء له، وجعلت السلطات السوفياتية تمنعه من السفر.
وُلد فلاديمير مينشوف، في مدينة باكو عاصمة أذربيجان السوفياتية عام 1939.
كان والده فالنتين مينشوف بحاراً، وانتقل بعد ذلك للعمل في «المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية» وهي مؤسسة أمنية قمعية، شكلت حجر الأساس في تشكيل جهاز «كي جي بي» لاحقاً. عارض والده رغبته بدراسة التمثيل والإخراج. وعارضته الظروف كذلك، إذ فشل في امتحانات القبول عدة مرات، إلا أنه نجح في النهاية، وبدأ الدراسة عام 1961 في معهد - مسرح موسكو الفني الأكاديمي.
وفي عام 1970 حصل على شهادة عليا في فن الإخراج من معهد عموم روسيا للسينما. ولعب طيلة تلك الفترة عدة أدوار على خشبة المسرح وأخرى في أفلام سينمائية، وأخرج بعض الأفلام.
حصل مينشوف على شهرة واسعة، محلياً وعالمياً، بفضل فيلم «موسكو لا تؤمن بالدموع» من إخراجه عام 1979.
ومع شهرة لاسمه كمخرج مصدرها الفيلم ذاته، الذي شكل حينها علامة فارقة في الإنتاج السينمائي، فإن حصوله عام 1981 على جائزة «الأوسكار» الأميركية عن أفضل فيلم باللغة الأجنبية، منحه شهرة أوسع. ويتناول الفيلم طبيعة الحياة في موسكو، والتي يمكن القول إنها لم تتغير حتى يومنا هذا. إذ تأتي إلى المدينة فتاة من «الأرياف» سعياً للتحصيل العملي والوظيفي، وتصطدم بتعقيدات في تلك المدينة الكبيرة، تخوض معها مواجهة، وتنتصر الفتاة بإرادتها وتصميمها على تعقيدات تلك المدينة، حيث تحقق نجاحاً تلو الآخر وتترقى مهنياً إلى أن تصبح مديرة مصنع كبير.
وتمكن مينشوف من عرض هذا الواقع بأسلوب فني ودرامي مميز، جعل من الفيلم بمثابة سيرة واقعية عن التحديات التي يواجهها كثيرون عندما يقررون الانتقال للعيش في موسكو.
من جانب آخر، فإن حصوله على «الأوسكار» يشكل بحد ذاته قصة تصلح لفيلم سينمائي. وإذا كانت جائزة «الأوسكار» تعني للمخرجين في الولايات المتحدة ودول أخرى اعترافاً دولياً بأهمية وقيمة العمل الفني ومخرجه، والحصول على جائزة مالية، فإنها شكلت بالنسبة لمينشوف مصدر مشاكل، لأنه مواطن في الاتحاد السوفياتي «الشيوعي» الذي كان يعيش حالة «حرب» مع «الشر الأميركي الإمبريالي». وعلم مينشوف أنه فائز بتلك الجائزة من وسائل الإعلام، إلا أنه، وفق ما يروي، اعتقد في البداية أن الأمر برمته مجرد «مزاح» من أحدهم. ولم تسمح له السلطات السوفياتية بالسفر ليتسلم جائزته، التي تسلمها عنه الملحق الثقافي في السفارة السوفياتية في واشنطن. وفي اليوم التالي قالت صحف أميركية إن «مندوب الكي جي بي تسلم الجائزة نيابة عن المخرج».
وقال مينشوف في حديث لوسائل إعلام روسية إنه لم يعرف في البداية السبب الذي دفع السلطات لمنعه من السفر، لكن بعد عدة سنوات علم أن اثنين من زملائه كتبوا تقارير ضده للسلطات، كانت السبب في ذلك. بعد ثماني سنوات فقط تمكن مينشوف من ملامسة «تمثال» الأوسكار بيده، وذلك في أول مهرجان سينمائي في موسكو عام 1989. وكان عليه إعادة التمثال إلى مؤسسة السينما الحكومية لكن لم يفعل وأخذه معه.
في السنوات التالية أخرج مينشوف عشرات الأفلام التي دخلت ذاكرة السينما والشاشات السوفياتية والروسية، وانضم بعضها إلى قائمة «الأعمال الكلاسيكية»، منها على سبيل المثال لا الحصر فيلم «الحب وطيور الحمام». وطيلة مسيرته الفنية حصل مينشوف على عشرات الجوائز منها «وسام لقاء خدمة الوطن» عن دوره في تطوير الثقافة وصناعة السينما والعمل الذي قدمه خلال عقود من الزمن. وهو يحمل لقب فنان الشعب السوفياتي، وفنان روسيا السوفياتية ومن ثم فنان الشعب في روسيا الاتحادية. ورغم دخوله عقده التاسع، ومع أن معظم أفلامه من إنتاج الحقبة السوفياتية، فإنها لا تزال حتى الآن من جملة الأفلام المفضلة التي تحظى بإقبال لا ينقطع من جانب المشاهدين من كبار السن وجيل الشباب على حد سواء. ولا يزال مينشوف يمارس عمله في المجال الفني حتى يومنا هذا، ويركز بصورة خاصة على كتابة السيناريو، ويُقال إنه يستعد لإخراج فيلم جديد.
7:49 دقيقة
فلاديمير مينشوف المخرج الذي حرمته السلطات السوفياتية من «الأوسكار»
https://aawsat.com/home/article/1908666/%D9%81%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%8A%D9%86%D8%B4%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%B1%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D8%AD%D8%B1%D9%85%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D9%86-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D9%83%D8%A7%D8%B1%C2%BB
فلاديمير مينشوف المخرج الذي حرمته السلطات السوفياتية من «الأوسكار»
اشتهر بفضل فيلم «موسكو لا تؤمن بالدموع» عام 1979
- موسكو: طه عبد الواحد
- موسكو: طه عبد الواحد
فلاديمير مينشوف المخرج الذي حرمته السلطات السوفياتية من «الأوسكار»
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة