جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

مطاعم وفنادق... «ولا في الخيال»

تُقرر السفر وتبدأ رحلة البحث عن الوجهة وتذاكر السفر والفندق... تشعر بالجوع تبدأ البحث عن مطعم يرضي غريزة معدتك، تغوص في بحر البحث لتجد نفسك في محيط «تريب أدفايزر» الذي يعتبر أضخم موقع سياحي في العالم يسجل أكثر من 40 مليون نقرة في الشهر وينشر عليه 25 تقييما لفندق أو مطعم في الدقيقة الواحدة.
وبعدما عرف السبب بطل العجب من الإقبال الاستثنائي على الموقع، لدرجة أن هناك من لا يخطو أي خطوة ولا يقرر أي رحلة من دون اللجوء إليه والقيام بالحجز عبره بعد قراءة زاوية التقييم الخاصة بكل وجهة وكل مكان. ولكن هل يجوز أن نصدق كل ما نقرأه؟
نشر أمس خبر في الصحف البريطانية يؤكد أن «تريب أدفايزر» قام بإلغاء مليون تقييم مزيف بعد أن تبين أن عدداً من التقييمات يقوم بها شخص واحد مأجور يروج لفندق أو مطعم ما. وصدر قانون جديد يعاقب على نشر التقييم المزيف ومن المنتظر أن تنشر صحيفة الـ«تلغراف» الشهر المقبل، بمساعدة شركة «كويك تشيك» المختصة بإدارة سمعة الإدارات، وسيتضمن ملحق السياحة في الصحيفة لائحة بآلاف التقييمات والتعليقات المزيفة.
وقد تكون قصة شاب بريطاني يسكن في كوخ بمنطقة «داليتش» قد ساهمت في وضع الموقع تحت المجهر بعد المقال الذي نشره، والذي روى فيه قصته الغريبة التي جعلت من مطعم لا وجود له محط إعجاب الذواقة الذين تهافتوا للحصول على حجز فيه.
قصة هذا الشاب غريبة، لكنها دليل قاطع على أن شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع مثل «تريب أدفايزر» هي بالفعل مضللة وتغرز الأوهام في عقول المتابعين الذين يقعون في فخ تجربة كل ما هو جديد مهما كان الثمن.
فهذا الشاب بدأت قصته بعدما طُلب منه أن يكتب تقييما لمطاعم بقيمة عشرة دولارات للتقييم الإيجابي الواحد، وفي يوم من الأيام خطرت في باله فكرة أن يخترع اسما لمطعم لا وجود له في الواقع ومن مكان إقامته جاءت التسمية «ذا شيد إن داليتش» والترجمة الحرفية «الكوخ في داليتش». وبالفعل قام بخلق موقع إلكتروني للمطعم، وألف لائحة طعام وهمية أيضا، ونشر صورا وسخر نشاط أصدقائه في كتابة التقييمات الإيجابية لمطعمه الوهمي على موقع «تريب أدفايزر» ونشر صورا لأطباق وهمية. وفي أقل من عام أصبح المطعم ضمن لائحة أفضل المطاعم في بريطانيا الذي يوصي الموقع بزيارتها، ووضع رقما للهاتف ولكنه لم يرد على أي متصل، تلقى أكثر من مائتي رسالة صوتية يطالب أصحابها بحجز طاولة في المطعم، واستمر الوضع على هذا الحال إلى أن قرر الشاب أن يفضح سره ليثبت للناس أن التواصل الاجتماعي الإلكتروني عالم من الوهم، وأراد أيضا أن يكشف أن كثيرا من التقييمات التي تنشر على «تريب أدفايزر» زائفة وتدفع المطاعم لقاء كتابتها ونشرها لكي يتصدر المطعم لائحة أفضل المطاعم في المدينة أو حتى في البلد.
وفي اليوم الذي قرر فيه الشاب فضح السر، استعان بأصدقاء له ووضع طاولات في الكوخ واشترى مأكولات مجلدة جاهزة بقيمة جنيه إسترليني واحد للطبق وقام بتسخينه في الـ«مايكروويف»، ورد على بعض الاتصالات من زبائن أميركيين يزورون بريطانيا ليكتشفوا بعدها السر. ونشر الشاب فيلما قصيرا عن قصته مما جعل موقع «تريب أدفايزر» يلغي صفحة المطعم الوهمي التي أدت إلى قرع ناقوس التنبه للتقييمات الوهمية التي تلعب بعقول بعض ممن هم أشبه بقطيع الغنم الذي يتبع ويتتبع خطى الآخرين.
العبرة من هذه القصة ليست فقط عدم تصديق كل تقييم نقرأه على أي موقع ولأي سلعة، إنما لكي نحرر أنفسنا من التبعية والحسد وتقليد حياة الغير.
الحياة السعيدة بالكامل لا توجد «ولا حتى في الخيال».