يوسف الديني
باحث سعودي ومستشار فكري. درس العلوم السياسية والإسلاميات التطبيقية، وعمل بالصحافة منذ عام 1999، وكاتب رأي في «الشرق الأوسط» منذ 2005، له كتب وبحوث ناقدة لجذور الإرهاب والتطرف والحركات والمنظمات الإرهابية في المنطقة. كتب عشرات الأبحاث المحكمة لمراكز بحثية دولية، ونشرت في كتب عن الإسلام السياسي والحاكمية والتطرف ومعضلة الإرهاب، وساهم بشكل فعال في العديد من المؤتمرات حول العالم.
TT

حوار ولي العهد: منطق الدولة ضد حماقات الملالي وتجار الأزمات

تسمّر السعوديون، وحمدوا عقبى السهر طويلاً، وهم ينتظرون حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي ترى فيه الأجيال الجديدة من الشباب والفتيات في السعودية، وهم النسبة الأكبر، أملاً يتشبثون به وينافحون عنه، وأغلبهم من جيل الإنترنت (Z - Generation) ، ما بعد جيل الألفية أو «جيل الثلج»، بالعامية الأميركية، الغارق في جنبات مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرها مصدراً أساسياً لتكوين معارفه.
حضر الأمير محمد بن سلمان، بكامل ثقته وصراحته وشفافيته، التي جعلت مقدمة البرنامج تصفه بأنه قائد جريء، ولديه رؤية، وأن ما يفعله في المجتمع السعودي سيغير منطقة الشرق الأوسط.
ولي العهد تعامل مع الأسئلة، بهدوء وصراحة تامة، على الرغم من صياغتها الحادة، وبعض الاستفزاز على مستوى التعميم واللغة في التقارير الجانبية، وهو أمر متفهم، خصوصاً في الإعلام الغربي، بغرض الإثارة وإظهار أكبر قدر من الحياد والشفافية، لينهي الجدل الطويل في ملفات لطالما استثمر فيها تجار الأزمات بعد حادثة خاشقجي، لا سيما محور التصعيد والأجندات من ملالي طهران إلى الرئيس التركي إردوغان وحزبه، إلى قناة «الجزيرة» القطرية، التي أخذت زمام مبادرة التشغيب على الصعود الكبير للسعودية كقبلة اقتصادية، حسب وصف ولي العهد، دون أن تفقد ما شرّفها الله به من مكانة دينية وروحية كمهد للإسلام الذي يستثمر الغلاة باسمه، بينما كانت جرأة الأمير محمد بن سلمان، في أوائل تسنمه لولاية العهد، بأن يحدث قطيعة مع قطبي الاستثمار باسم الإسلام السياسي ومشروعه الانقلابي المقوض للدولة، ومشروع دولة الملالي وميليشياتها بالوكالة التي تحاول العبث بالأمن الإقليمي عبر العراق ولبنان واليمن، ثم في استهداف للعالم كله في شريان حياته الاقتصادية، وهو الأمر الذي أكده ولي العهد بأن من استُهدف هو العالم، وأن ذلك لن يجر السعوديين إلى أن يستبدلوا بحلمهم وتعاملهم بمنطق الدولة، الدخول في حروب الميليشيات العبثية، وهو شكّل جزءاً من هويّة السعودية منذ تأسيسها، وقد قال مؤسسها الملك عبد العزيز (رحمه الله) «لا أبدأ أحداً بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكاناً، وأتمادى بالصبر حتى يرميني البعيد والقريب بالجبن والضعف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي». وخارج جنون الميليشيا وتجار الأزمات، منح ولي العهد، ميليشيا الحوثي، فرصة تاريخية في التخلي عن عباءة إيران، والتحول إلى مكون سياسي، وحينها ستبادر السعودية إلى الحوار وتنهي الحرب.
كان الأمير محمد واضحاً وصريحاً، وذهب بعيداً في شفافيته في الجواب عن القضايا التي أصبحت بضاعة من يستهدف المملكة وهو يستبطن تقويض تماسكها وطموحها الاقتصادي المتمثل في «رؤية 2030»، دون أن يفوّت الأمير على المتربصين ادعاء الكمال، مؤكداً أن الخطأ من طبيعة البشر، وأن قميص «جمال» الذي يرفعه المزايدون هو بين يدي القضاء، وأن ما حدث لم يكن إلا جريمة بشعة لطالما أقضت مضاجع القيادة السعودية، وأن العقاب ينتظر من ارتكبها، دون أي استثناءات، وأنه سيتابع ملف الناشطات واتهامات التعذيب بنفسه، وأن طموحه مساواة المرأة والرجل في الحقوق، على السواء، وأنه يقود السعودية باتجاه المستقبل، وكان آخر تلك القرارات التي ما كان ليتخيّله أحد في صناعة السياحة بمفهومها التواصلي مع العالم ليتعرفوا على المملكة عن قرب وإصدار تأشيرات سياحية إلكترونية، القرار الذي دُشن قبل يومين في حفل حضره ممثلون من كل العالم، تحت شعار «أهلاً بالعالم... قلوبنا مفتوحة قبل أبوابنا».
ورغم أن الحوار كان على قناة «CBS» الأميركية، وفي وقت متأخر من الليل، إلا أن حجم التغريدات على مواقع التواصل كان غير مسبوق من قبل الجيل السعودي الذي يرى ذاته في ولي عهد طموح وشاب وشفاف معهم.
ذات مرة قال إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة، «لدي إيمان راسخ في المواطنين؛ إذا منحتهم الحقيقة يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة أي أزمة تجاه الوطن. من المهم جداً أن يُمنحوا الحقيقة كما هي»... وهذا ما فعله محمد بن سلمان بالأمس!