سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

الجزائر ليست في حاجة لاختراع العجلة!

منتهى الأمل أن ينتبه الإخوة في حراك الجزائر إلى القاعدة الشهيرة التي تقول: «إنك لا يمكن أن تفعل الشيء نفسه للمرة الثانية، ثم تتوقع نتيجة مختلفة عن النتيجة التي جاءتك في المرة الأولى»، فهي قاعدة يمكن أن تنطبق عليهم في الحراك دون قصد منهم!
فما هو ذلك الشيء الذي يفعله نشطاء الحراك؟ وما هي يا ترى تلك النتيجة التي يمكن جداً أن يجدوا أنفسهم أمامها مع مرور الوقت وانقضاء الزمن؟!
أما الشيء المقصود، فهو هذه المظاهرات التي تخرج في العاصمة الجزائر صباح كل جمعة، وللأسبوع الثاني والثلاثين على التوالي، منذ أن استقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الثاني من أبريل (نيسان) من هذا العام. وللدقة، فإن المظاهرات كانت قد انطلقت قبل استقالة الرئيس بنحو شهرين!
وأما النتيجة، فهي الخشية من أن يصل نشطاء الحراك في النهاية، إلى النتيجة نفسها التي وصلنا إليها في القاهرة، عندما تعددت الجُمع فيما بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011، وعندما تنوعت أسماؤها، من جمعة كذا إلى جمعة كيت، حتى إذا انفضت الجُمع كلها، وحتى إذا لم يعد هناك مجال لجمعة جديدة، ولا لمظاهرة جديدة، ولا لاسم جديد تحمله جمعة مختلفة، اكتشف نشطاء أبرياء عندنا، أن الثورة قد سُرقت منهم، وأنها قد انتقلت إلى يد أخرى، وأن تيار الإسلام السياسي قد سطا عليها وانتهى الأمر!
هذا ما حدث بدءاً من عام 2011، وصولاً إلى منتصف 2012، وحين جرت الانتخابات البرلمانية، ثم الرئاسية من بعد البرلمانية، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» في الانتظار، وكانت قد تهيأت تماماً ليوم الانتخاب، على مدى العام ونصف العام الذي قضاه النشطاء في الميادين، وكانت قد جهزت نفسها وناخبيها للصندوق، وكانت قد استعدت ورتبت أمرها، بينما الثوريون الأبرياء منشغلون بالخروج من جمعة، للدخول إلى جمعة جديدة، وباختيار اسم لهذه الجمعة، وشعار لتلك الجمعة!
فلما جرى ما جرى، كان على المصريين أن يخوضوا ثورة جديدة في 2013، وكان عليهم أن يخرجوا من جديد، ليستردوا ثورتهم الأولى، ويستعيدوا بلدهم قبل أن يستعيدوا الثورة. ولم يكن هذا كله بلا ثمن، وإنما كان له ثمن لا بد من الوفاء به في كل الأحوال!
ولا أحد بالتأكيد يريد للجزائريين أن يمضوا في الطريق ذاته، فقيمة التجارب الإنسانية في حياة الشعوب أنها تظل متاحة لمن يريد أن يعتبر ويأخذ الدرس، فلا يكرر شعب ما سبق تجريبه لدى شعب آخر، وإلا، فإن النتيجة ستكون هي نفسها تقريباً!
وحين قرأت عن استعدادات حزب حركة «مجتمع السلم» لانتخابات الرئاسة التي دعا إليها عبد القادر بن صالح، الرئيس الجزائري المؤقت، في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، أحسست بأن حزب الحركة استفاد من تجارب الثورات في المنطقة، وتعلم الدرس الكافي، كما لم يستفد منها الشباب الثائر، الذي لا يزال يتشبث بالنقاء الثوري، ويراهن عليه في مسيرة الوصول!
فحركة «مجتمع السلم» هي أكبر حزب إسلامي في الجزائر، وهي مشاركة في البرلمان الحالي بعدد 34 نائباً من أصل 462 نائباً، هُم مجمل أعضاء البرلمان، وهي بعد أن جمعت مجلس الشورى الخاص بها قبل أيام، لترى ما إذا كانت ستدفع بمرشح في السباق الرئاسي أم لا، خرجت ببيان قالت فيه إنها لن تخوض السباق، ولن يكون لها مرشح فيه؛ لأن الأجواء المطلوبة لإجراء انتخابات رئاسية طبيعية غير متوفرة على حد تعبير بيانها!
والحركة ليست الحزب الوحيد من نوعه في بلد المليون شهيد، العزيز على كل عربي، وإنما هناك أحزاب إسلامية أخرى بخلافها، غير أنها تظل الأكبر من حيث مستوى وجودها البرلماني، ومن حيث وجودها في الشارع بالتالي، ومن حيث قدرتها على تعظيم درجة هذا الوجود على المستويين، ومن حيث قدرتها على استخدامه وتوظيفه، مع كل استحقاق انتخابي يلوح في الأفق!
ولكن الذي يجب أن يستوقفنا في البيان، أنها لم تذكر شيئاً عما إذا كانت ستؤيد مرشحاً بعينه في الانتخابات، أم أنها ستترك أعضاءها أحراراً في انتخاب المرشح الذي يرونه الأنسب، وربما يكون الوقت بالطبع مبكراً للإعلان عن موقفها إزاء باقي المرشحين، وربما أيضاً أنها سوف تقرر ذلك عند إعلان القائمة النهائية للمرشحين، في سباق لا يزال بيننا وبين انطلاقه ما يقرب من ستين يوماً!
وما يخشاه كل متابع للمشهد السياسي الجزائري الحالي، أن ينشغل الشباب الثائر بالخروج في كل جمعة مقبلة، بينما ينشغل آخرون بالتجهيز ليوم الانتخابات، وباختيار المرشح الأجدر بالمساندة، وبالوصول به إلى القصر في آخر السباق!
وما يخشاه كل متابع كذلك، أن يتابع حزب «مجتمع السلم» من مكانه بورصة الترشيحات، وأن يقرر مع غيره من الإسلاميين الوقوف وراء مرشح بعينه، حتى ولو كان الوقوف سيظل سراً، ومن خلال تعميم داخلي على الأعضاء، كما فعلت حركة «النهضة» الإسلامية في تونس، وقت السباق الرئاسي الذي فاز فيه المنصف المرزوقي، بفضل وقوف حركة الشيخ الغنوشي إلى جواره دون إعلان!
فالحزب حين دعا مجلس شورى الحركة إلى اجتماع أول الأسبوع، قال إنه أمام خيارات ثلاثة؛ إما ترشيح عبد الرزاق مقري، رئيس الحركة، وإما مقاطعة الاستحقاق، وإما ترك المجال حراً أمام كل عضو في الحركة يختار مَنْ يراه، ومن يعتقد أنه الأصلح!
وقد انتصر الخيار الثاني من حيث الشكل، أما المضمون فهو في الخيار الثالث، لكن لم يتم الكشف عنه بعد؛ لأن حكاية ترك المجال حراً أمام كل عضو، ثبت أنها تبقى تغطية لأشياء غير معلنة، وأنها في الغالب تقال للرأي العام على سبيل الموقف الثابت، بينما الحقيقة تكون أمراً آخر!
وفي وقت من الأوقات، كان الحبيب بورقيبة على حدود الجزائر الشرقية، قد راح يتحدث عن مبدأ سياسي يؤمن به، وكان المبدأ من كلمتين اثنتين، وكان يقول: «خُذ وطالب»!
ورغم أنه قيل في سياق آخر ومختلف، إلا أن استدعاءه في الحالة الثورية الجزائرية قد يكون مفيداً؛ لأن الثوريين الذين خرجوا منذ مطلع هذا العام يطلبون عدم ترشح الرئيس بوتفليقة في الانتخابات، قد حققوا مطلبهم واستقال الرجل وخرج من السباق، أما ما بعد ذلك من مطالب، فإن أصحابها يكافحون من أجلها؛ لأنهم يرونها مشروعة، ولكن تحقيقها ربما يكون في مكان آخر، وبالتحديد يكون أمام صندوق الاقتراع، وليس في الشوارع والميادين!
وليس في هذا الكلام أي مصادرة على خيارات نشطاء الحراك المستمر، ولا على رغبة الجزائريين في التغيير، فالقضية في النهاية جزائرية مجردة، ولكن تجارب ما لا يزال يتسمى «الربيع العربي» في المنطقة، لا يجوز أن تغيب عن الذين يقودون حراك الشباب، ولا عن الذين يقع عليهم عبء تصدير الوعي بأبعاد القصة كلها إلى عموم الناس هناك!
أما الهدف من وراء هذه السطور، فهو ألا يعاد اختراع العجلة في الجزائر؛ لأن العجلة في حالتنا العربية الراهنة قد جرى اختراعها في أجواء «الربيع»، وليست الجزائر في حاجة إلى اختراعها من جديد، ولا إلى دفع أثمان من الاستقرار ومن الأمن من جديد أيضاً!