طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«مالمو» نسم علينا الهوا والهوى!

كيف تحافظ على السحر الخاص لأي تظاهرة فنية؟ الإجابة من خلال رحلتي مع المهرجانات، التي تجاوزت ثلاثة عقود من الزمان، تكمن في كلمة واحدة: «الخصوصية»، والتي تعني الحرص على تأكيد ملامحك المميزة، وفي الوقت نفسه تدرك أن الجمود هو العدو الأول للاستمرار، الاحتفاظ بالطابع العام والهوية لا يعني التكرار، من الممكن أن تقدم نفس النغمة بعشرات من التنويعات المختلفة، مؤسس ورئيس مهرجان «مالمو» السينمائي المخرج محمد قبلاوي الفلسطيني الجذور، السويدي الهوية، يحرص على الخصوصية والتجديد، المهرجان أنهى فعالياته الأسبوع الماضي، ويستعد من الآن للاحتفال بمرور عشر دورات في العام المقبل، وهكذا تحدد موعده مبكراً، وتقرر زيادة عدد لياليه السينمائية.
أن تُقدم إطلالة بعين أوروبية على السينما العربية، ليست جديدة، سبق وأن فعلها معهد العالم العربي في باريس عام 1992. وأقيم «بينالي السينما العربية» والذي كان يعقد مرة كل عامين، إلا أنه تعثر منذ 2006. وحاولوا قبل عامين عودته مجدداً.
«مهرجان مالمو» ولد ليبقى، وهكذا ينمو من عام إلى عام، يرتكن إلى رؤية فنية وتنظيمية، الجانب التنظيمي رائع، فريق العمل من العرب الذين عشقوا التجربة، وأيضاً كل شيء في الفعاليات والمكرمين والضيوف ولجان التحكيم، حتى المطاعم التي تستقبل الضيوف كلها عربية، لا يتوقف المهرجان فقط عند اختيار أفضل ما قدمت السينما من أفلام في عالمنا العربي، ويحمله للمتفرج السويدي، سواء أكانت جذوره عربية أم لا؟ هناك عروض موازية في المدارس والجامعات يحضرها الطلبة، وتقام أيضاً الندوات من أجل توصيل الفكر العربي الذي تعبر عنه هذه الأفلام لجمهور لديه ثقافة مختلفة، وأولويات مغايرة، السينما تحمل عادة رؤية جمالية ولغة مشتركة، تتيح للمتفرج أياً ما كانت جنسيته، أن يتفاعل مع العمل الفني، كما أن «الميديا» في الألفية الثالثة دفعت القضايا العربية لصدارة المشهد، وإشكاليات مثل التطرف والإرهاب الديني والهجرة غير الشرعية وغيرها، شاهدنا في العديد من الأفلام الأوروبية التي تتناول أحلامنا وكوابيسنا.
هل يراعي محمد قبلاوي التوازن الجغرافي بين مختلف الدول العربية المنتجة للسينما؟ أتصور وبنسبة كبيرة أنه يحقق تلك العدالة، في التنوع بين الأفلام والضيوف ولجان التحكيم، بالطبع لا أستطيع أن أعتبره توازناً عددياً بالضرورة، إلا أنه عادل بالضرورة، وربما يصبح الأمر أكثر حساسية عندما يتعلق باختيار أعضاء التحكيم، ويجب أن نذكر أن الكثير من النقاد والفنانين العرب باتوا يدركون أن اللجنة ليست هي ملعب إثبات الوطنية، فأنت لا تعلن عن حبك لبلدك، بالتصويت إليه من خلال انحيازك للعمل الفني الذي يرفع اسم وطنك، الأجمل مهما كانت جنسيته، هو الجدير بالدفاع عنه، وبنظرة عين الطائر على نتائج «مالمو»، أتصور أن هذا هو وبنسبة كبيرة ما حدث.
رواد المهرجان كانوا محاصرين في التوقيت نفسه، بأكثر من عمل فني، وفي النهاية الكل خرج بحصيلة تشير إلى مستوى العالم العربي سينمائياً، وهو من جهة نظري مبشر، عدد التجارب الأولى المميزة للمخرجين والتي تناثرت في كل مسابقات المهرجان تؤكد ذلك.
نجح «مالمو» ليس فقط في انتقاء أفلامه وندواته، ولكن أيضاً بلياليه الشرقية الغنائية، والتي تمتزج فيها أغانينا المحببة مع صوت العود، وهكذا تأتي في نهاية الرحلة السينمائية اليومية، أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب ووديع وكاظم وفيروز وهي تردد «نسم علينا الهوا» لنتأكد أن «الهوا»، وأيضاً «الهوى» هذه المرة جاء من «مالمو».