مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

هل أنتم منتهون؟!

يقول تعالى «إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَة فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ»؟!
قد لا يعلم البعض أن الخمور كانت ممنوعة في أميركا على الأقل في 36 ولاية، غير أنه نتيجة لذلك ازدهرت صناعة الخمور المغشوشة التي استغلتها العصابات؛ مما تسبب في وفاة ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص، وبعدها اضطرت الحكومة إلى السماح بها عام 1933 مع تحديد نسبة الكحول بها.
وتحضرني في هذا الصدد حكاية قسيس اسمه بيرس، فقد كان من أشد معارضي تناولها – ومعه الحق في ذلك - لكنه بصراحه «زودها حبتين»، ولم يكتفِ بمهاجمته الشاربين في صلاة يوم الأحد، بل إنه استغل مكانته لدى أكبر كنيسة في البلد، وسخّر إمكاناتها المادية، واشترى كل ما في السوق من الخمور وسكبها في البلاليع، وحدثت أزمة خانقة كان من نتائجها أن ترصد للقسيس مجموعة من الرجال وضربوه ضرباً مبرحاً ودشدشوا بعض عظامه، ولولا أن رجال البوليس تدخلوا لكانوا قد قضوا عليه.
وما دمنا في هذا الصدد، فمن قصص التراث عندنا أن المأمون شرب ومعه القاضي يحيى بن أكثم وعبد الله بن طاهر، ويبدو أن يحيى قد «طينها» فنام منطرحاً مثلما ينطرح البعير، فأمر المأمون أن يحفروا له حفرة ويلقوه فيها، وأن يأتوا برزم ورد ورياحين ويلقوها عليه، وعمل بيتين من الشعر، وأمر جارية أن تمسك بالعود وتغني عند رأسه:
ناديته، وهو حي لا حراك به - مكفن في ثياب من رياحين
فقلت: قم! قال: رجلي لا تطاوعني - فقلت: خذ قال: كفي لا تواتيني
وانتبه يحيى لرنة العود، وقال مجيباً:
يا سيدي، وأمير الناس كلهم - قد جار في حكمه، من كان يسقيني
لا أستطيع نهوضاً، قد وهى جسدي - ولا أجيب المنادي، حين يدعوني
فاختر لبغداد غيري، إنني رجل - الراح تقتلني، والعود يحييني
وحسناً فعل لأنه استقال، فكيف «تركب» معنا: قاضٍ ويتعاطى الراح؟! – لا حول ولا قوة إلا بالله.
ومنهم أبو محجن الثقفي وكان مغرماً بالشراب، وقد حدّه سعد بن أبي وقاص في الخمر مراراً، وشهد القادسية، وأبلى فيها بلاءً حسناً، وهو القائل:
إذا مت فادفني إلى ظل كرمة - تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني بالفلاة فإنني - أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
ثم حلف بعد القادسية ألا يشرب خمراً أبداً.