خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مناظر مكشوفة

أعود لموضوع الرقابة المسرحية، فأقول إن من أسس الرقابة المسرحية في دول العالم كافة تقريباً عدم السماح بمشاهد عارية للرجال والنساء في حركة استفزازية على المسرح. كان ذلك ما وقع به مسرح «الدجس» في منطقة «الوست إند» من لندن عام 1930 عند تقديم العمل المسرحي «مناظر مكشوفة» (Intimate Revue). تضمن العرض عدة مشاهد ومناظر معقدة ومتداخلة. احتار الممثلون والممثلات في تبين طريقهم وحركتهم، وتنقلهم بين كل هذه المناظر والكواليس والأثاث والملابس.
كان من مشاهد هذا العرض، الغريب نوعاً ما، ظهور مجموعة من الممثلات في تقديم دور عن الآلهة الإغريقية، النمث. وقد صمم المخرج لهن ثياباً في غاية التعقيد بما يتناسب مع آلهة يونانية قديمة. ما إن ظهرن على المسرح، لتقديم دورهن، وبدأن بحركاتهن الراقصة المعقدة حتى انفكت ثياب بعضهن، وسقطت على خشبة المسرح، بما كشف عن اثنتين من الممثلات بشكل عارٍ. لم يعرف مدير المسرح كيف يتفادى هذا المنظر المحرج، لا سيما بعد أن انفجر المشاهدون بالصفير والهتاف والصياح والتصفيق. لم يبق بيديه غير أن يأمر بإسدال الستارة فوراً، وغلق هذا المشهد المحرج كلياً. واضطرت الإدارة إلى تعويض المشاهدين عما دفعوه من ثمن تذاكرهم. المشاهد العارية على المسرح والسينما تؤدي دائماً إلى مشكلات.
سمعت السلطات البريطانية بما جرى على مسرح «الدجس» المشهور. ومن دون التدقيق بتفاصيل الأمر، أصدروا أمرهم بمنع هذا العرض، لا سيما بعد أن سمعوا بعنوان المسرحية «مناظر مكشوفة».
توقف تقديم هذا العمل المسرحي لعدة أيام دخلت خلالها إدارة المسرح بمحادثات ضافية مع مسؤولي الرقابة الأخلاقية. انتهى الأمر بتقديم إدارة المسرح تعهداً بألا يتكرر هذا المشهد مرة ثانية أمام الجمهور. ودخل كل من المخرج ومدير المسرح ومصمم الأزياء في نقاش واتهامات طويلة، كل يلوم الآخر على سوء عمله وتفكيره.
وكان هذا الأمر مثلاً صغيراً واحداً عما كان يجري في عالم المسرح البريطاني من خلافات وانتهاكات تتعلق بالأخلاق والاعتبارات الدينية والمناظر المكشوفة. كان ذلك في الثلاثينيات وقبلها، بيد أن الأمر تطور اليوم عما كان عليه، وحل بعض التساهل في هذه المواضيع المتعلقة بميادين الترفيه الاجتماعي والفنون عموماً. بيد أن العري بقي عملاً محذوراً يتحاشاه المؤلفون والمخرجون والممثلون والممثلات، رغم كل ما قد يدره من أرباح ومكاسب.