وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

سعر النفط الذي تحتاجه السعودية في 2020

تاريخياً، كان سعر تعادل النفط في الميزانية السعودية سراً من أسرار وزارة المالية الذي لا يمكن الإفصاح عنه تحت أي ظرف من الظروف.
ولهذا الأمر اعتبارات ودوافع سياسية منطقية، نظراً لأن المملكة هي القائد الفعلي لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، والإعلان عن أي سعر لتعادل الميزانية كان يجعل سوق النفط يتوقع أن المملكة ستدفع بالأسعار إلى هذا المستوى، وهو ما يؤثر على سياسات أوبك ويجعل المملكة عرضة للاتهامات بالتلاعب في الأسعار.
ولكن اليوم، مع تعدد مصادر دخل الدولة والبدء في تخفيض الاعتماد على النفط كمصدر بديل، وفي ظل تراجع قدرة أوبك على التأثير بشكل كبير في أسعار النفط، أصبحت مناقشة مستويات سعر التعادل والتكهن بها عرفاً لدى كل المصارف السعودية عند الإعلان عن الميزانية.
غير أن هناك مفارقة ملاحظة بين الأسعار التي تتوقعها المصارف السعودية وتلك التي يصرح بها صندوق النقد الدولي، ولننظر إلى أرقام ميزانية 2020 بناء على توقعات الراجحي كابيتال والصندوق.
يتوقع الراجحي كابيتال بحسب حساباته أن المملكة ستحتاج في العام القادم سعراً لتعادل الميزانية يقدر بنحو 71 دولاراً للبرميل. أما بالنظر إلى أرقام صندوق النقد الدولي فإننا نرى أن توقعاته أعلى من توقعات الراجحي بنحو 13 دولاراً.
لكن هناك ما هو إيجابي في أرقام الصندوق وهو أن المملكة منذ عام 2018 تحتاج إلى سعر أقل عاماً بعد عام رغم ارتفاع الإنفاق الحكومي. ففي عام 2018 كانت المملكة تحتاج إلى 88 دولاراً، ثم 86 دولاراً في 2019. وأخيراً 83 دولاراً بفضل ضبط الإنفاق حتى مع تراجع الإيرادات أو زيادتها.
يأتي هذا في الوقت الذي تتفاقم فيه أسعار التعادل بحسب توقعات الصندوق لدى باقي دول أوبك، حيث كانت إيران تحتاج سعر تعادل عند 82 دولاراً في 2018، وفي العام القادم ستحتاج أكثر من ضعفه عند 194.6 دولار. وكان العراق يحتاج إلى 45 دولاراً في 2018، وفي 2020 يحتاج إلى 60 دولاراً، والأمر عينه للإمارات العربية المتحدة التي زادت متطلباتها من 66 دولاراً إلى 70 دولاراً خلال نفس الفترة. ولعل الكويت هي الوحيدة التي حافظت على سعر تعادل ثابت عند 54 دولارا طيلة هذه السنوات في نظر صندوق النقد، ولكن هذا يمكن إرجاعه إلى أن الكويت لا يوجد لديها إنفاق رأسمالي وزيادة في المشروعات وكل دخلها يذهب في صورة إنفاق تشغيلي على مرتبات القطاع العام والمزايا الاجتماعية التي يحصل عليها المواطنون.
هذه الأرقام تظهر لنا أن المملكة تسير في اتجاه جيد عند النظر إلى كيفية إدارة إنفاقها العام وميزانيتها، ولكن هذا لا يعني أن المملكة وصلت إلى مرحلة تستطيع فيها تجاهل سعر النفط فوق 60 دولارا. بل إن المملكة ستظل تحتاج إلى أسعار فوق 60 دولارا في العام القادم وهو ما يجعلنا نحتاج إلى النظر فيما يحدث في السوق النفطية حيث لا يزال الرئيس الأميركي دونالد ترمب يقود تذبذبات الأسعار بتغريداته المستمرة عن الحرب التجارية مع الصين.
قد يكون العام القادم عاماً صعباً على أوبك وباقي المنتجين نظراً لما يفعله ترمب، والذي من الممكن أن يقود الطلب للتراجع بنحو مليون برميل يومياً على الأقل، وهذا يتطلب أن تدير أوبك دفة العرض بذكاء هي وباقي الدول في تحالف (أوبك+).
قد يظل الوضع بهذا الشكل لفترة من الوقت حتى عام 2022. كما صرح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، حيث سيتراجع الإنفاق العام مع زيادة الإنفاق من القطاع الخاص. والمملكة في وضع مختلف عن باقي دول أوبك، حيث لديها رؤية 2030 الطموحة والتي تتطلب زيادة في الإنفاق لتمويل العديد من المشروعات الضخمة التي تهدف لرفع مستوى السياحة وتنويع مصادر الدخل. هذه المشروعات لن تؤتي ثمارها في 2022 بل لديها أهداف بعيدة المدى.
وإذا كان المواطن السعودي يتوقع أن تتحول بلاده من دولة نفطية إلى دولة غير نفطية بحلول 2022 فهذا تسرع في انتظار النتائج، حيث تحتاج المملكة لخمس سنوات على الأقل حتى نرى تغييراً، ولكن ما يزيد الاطمئنان هو أن الحكومة السعودية ماضية في الطريق الصحيح. وحتى ذلك الوقت ستحتاج المملكة إلى سعر نفط أعلى من الحالي، وهذا قد لا يتحقق بسهولة في ظل إدارة ترمب. وسيظل سوق الدين وسيلة جيدة لتمويل إنفاق الدولة في السنوات القادمة.