نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الفلسطينيون ليسوا استثناءً

للبنانيين نفوذ عاطفي أقوى من السياسي على الفلسطينيين. لهذا... ما إن انطلقت الثورة الشعبية السلمية في لبنان، وبلغت مستوى غير مسبوق في التاريخ، حتى ثار في الشارع الفلسطيني سؤال... هل يمكن أن يحدث عندنا ما يحدث عند من هم الأقرب إلينا؟
ظهرت أجوبة متعددة ومتباينة خلاصتها «لا» كبيرة، وحيثيات الـ«لا» يمكن اختصارها بأكثر من سبب؛ أولها تقليدي مفاده إذا كان لا بد من ثورة شعبية سلمية بقوة الثورة اللبنانية، فهي على الاحتلال، وهذا النوع من الثورات أداه الفلسطينيون عدة مرات دون أن يفضي إلى الإنجاز المنشود، وهو إزالة الاحتلال وحصولهم على الحرية والاستقلال.
غير أن حراكاً شعبياً مطلبياً حدث وأنجز، دون أن يتطور إلى ثورة، إذ غالباً ما كان يتم احتواؤه بإذعان السلطة للمطالب، فيعود أهل الحراك المطلبي إلى بيوتهم راضين بالنتائج.
ولقد ظهر اجتهاد ازداد معتنقوه مؤخراً، حول إمكانية انطلاق ربيع فلسطيني ولكن بنسخة مختلفة عن الحراكات الربيعية وآخرها اللبناني، تستبدل المظاهرات والسلاسل البشرية وإغلاق الطرق كوسيلة حضارية مأمونة لتغيير الطبقة السياسية.
بالتزامن مع ما جرى وما زال يجري في لبنان، وما حدث في تونس، جرى شحن الفلسطينيين الذين غرقوا في حالة من اليأس جراء فشل عمره ثلاث عشرة سنة من محاولات إنهاء الانقسام، وجراء نمطية مواجهة التحديات الخطرة التي تحيط بالقضية الفلسطينية وتراجع مستوى الحياة العادية في كل المجالات... كان شحناً إيجابياً عاد فيه الفلسطينيون إلى حوار قطعه اليأس ومركزه هل ستجري انتخابات عامة ثالثة في عهد السلطة، أم أن الذين يرون في الانتخابات الشعبية نهاية لنفوذهم المتوارث، سيواصلون إغلاق الأبواب والمنافذ أمام إجرائها ولن يعدموا شعارات تغطي فعلتهم، والتي لفرط تكرارها بدت ساذجة وعديمة الجدوى.
حكاية الانتخابات العامة التي أطلق الحوار الشعبي حولها، إعلان الرئيس محمود عباس في خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنه سيشرع في إجراء الانتخابات فور عودته إلى الوطن... هذه الحكاية أُغرقت بالشكوك منذ انطلاقتها، وكان لحركة «حماس» دور فعال في هذا الاتجاه، فبدل أن تعلن ترحيبها بإعلان الرئيس ولو من قبيل المناورة الدبلوماسية، شكك ناطقوها في الإعلان حتى إن أحدهم وهو من أكثر الناطقين رسمية وصف ما أعلن في نيويورك على أنه «نزوة»، وهذه الكلمة لا تشير إلى الرفض والتحفظ، بل إلى الاستخفاف والازدراء.
غير أن الشك والتشكيك لم يقتصرا على حركة «حماس»، بل جاءا أيضاً من المعسكر المحسوب سياسياً وموضوعياً على الرئيس محمود عباس، فكثير من الكتاب الموالين الذين لا يجرؤ أحدهم على التشكيك في نوايا الرئيس وجديته، التفوا على الأمر بسرد قرائن تؤدي إلى خلاصة واحدة، هي استحالة إجراء الانتخابات قبل تحقق شروطها، وجميعها تعجيزية، حتى إن أحدهم انتقد السلطة لإجرائها انتخابات عامة قبل ثلاث عشرة سنة قبل أن تحصل من «حماس» على موافقة صريحة بدخول منظمة التحرير، مما يتطلب موافقتها على برنامجها السياسي الذي كان عنوانه ومضمونه الالتزام باتفاقات وتفاهمات أوسلو.
وفي تطور جديد، أشاع الدكتور حنا ناصر رئيس لجنة الانتخابات المركزية، جواً تفاؤلياً، غير أنه لم يكن كافياً لتبديد الشكوك حين عاد من غزة بعد لقاء مع «حماس» ومن يتماهون معها في الموقف من باقي الفصائل الفلسطينية حاملاً ورقة موقعة تحمل موافقة على إجراء الانتخابات، وأضاف - لتعزيز التفاؤل - بأن الانتخابات العامة باتت قريبة، دون أن يجازف بالقول، ومضمونة أيضاً.
في تونس كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالإصرار على إجرائها ومن خلال نتائجها، رسالة التقطها الفلسطينيون ولم تلتقطها الطبقة السياسية.
وفي لبنان جاءت الانتفاضة الشعبية المتواصلة كاختراق لما كان مستحيلاً، وهو السعي الفعال لإلغاء الطائفية الدينية كتابوت أغلق منذ أول أيام الاستقلال، أما في فلسطين فمع الاختلاف عن الأشقاء والجيران في أمور كثيرة وأهمها الاحتلال الأجنبي، فرغم الشك والتشكيك في إنجاز ربيع فلسطيني عبر الانتخابات، ورغم متاجرة الطبقة السياسية بفرية أن الفلسطينيين وبحكم الاحتلال هم استثناء عن جيرانهم وأشقائهم، فإنهم بأمس الحاجة لإنهاء الطائفية الأكثر تخلفاً، والتي اسمها «الطائفية الفصائلية».