ليونيد بيرشيدسكي
TT

تهريب البشر يحتاج إلى حل إنساني

هناك حاجة إلى المزيد من جانب الحكومة البريطانية وغيرها من حكومات الدول الأوروبية، إذ ينبغي على هذه الحكومات أن تفهم أن تهريب البشر من أعمال النقل التي تقوم على وجود طلب من جانب «الركاب»، وما يساعد على ازدهار هذه الأعمال هو الواقع الاقتصادي للمهاجرين. لذا تجاهل عنصر الاقتصاد، والتركيز على إجرام الأشخاص الذين ينفذون عمليات التهريب، التي تعزز وتكمل الاتجار بالبشر والاستغلال القاسي لهم بما في ذلك صناعة الجنس، من الطرق، التي يستخدمها السياسيون المتشددون من أمثال بريتي باتيل، وزيرة الداخلية البريطانية؛ لتبرير زيادة القسوة في تطبيق القانون عوضاً عن اتباع سياسات هجرة رشيدة وحكيمة.
هناك استجابات كثيرة ممكنة للوفاة المأساوية لـ39 مهاجراً غير شرعي تم العثور على جثثهم في شاحنة مبرّدة في مقاطعة إيسيكس. وتقدم استجابة الحكومة البريطانية نموذجاً لكيفية جعل عملية تهريب البشر أكثر خطورة وبعداً عن الإنسانية. ليس من الواضح بعد كيف تُوفي المهاجرون، الذين كان أكثرهم من الفيتناميين. تلقى أقارب واحدة من الضحايا، التي من المحتمل أنها من بين الذين كانوا داخل الحاوية، رسائل نصية مفزعة منها تخبرهم فيها أنها تختنق. وكانت العائلة قد دفعت آلاف الدولارات لإرسالها إلى المملكة المتحدة دون المرور بقنوات الهجرة الرسمية الشرعية. وقد وصلت الشاحنة إلى المملكة المتحدة من ميناء زيبروغ في بلجيكا، لكن من الواضح أن عملية التهريب لاقت مصيراً مروعاً.
وعبرت باتيل عن موقف الحكومة في ملاحظات إلى البرلمان. هناك عملية تقودها الاستخبارات «من أجل منع عصابات الجريمة المنظمة من استخدام الشاحنات المبردة والمغلقة في تهريب المهاجرين بشكل سري». وقد تم إرسال المزيد من ضباط تنفيذ القانون البريطانيين الذين يعملون على قضايا الهجرة، إلى زيبروغ. وتم اتهام سائق الشاحنة بالقتل، وتهريب البشر، وتم استجواب ثلاثة أشخاص آخرين على خلفية الاشتباه في تورطهم في عملية التهريب. وقالت باتيل: «يجب أن نكون صارمين وحازمين في ردنا».
وترى باتيل أن «الدوافع التي تجعل الناس يحاولون عبور الحدود بشكل غير شرعي كثيرة ومعقدة». مع ذلك ربما يكون من المفيد للسياسة النظر إلى الدوافع باعتبارها أمورا بسيطة مثل تفاوت الأجور من دولة إلى أخرى. وأوضحت دراسة تمت على نطاق واسع عن مهاجرين غير شرعيين أفارقة في أوروبا نشرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الشهر الحالي أن 60 في المائة من أولئك المهاجرين القادمين من دول مختلفة، ولهم ظروف متباينة، قالوا إن هدفهم الأساسي من السفر إلى أوروبا هو العمل وإرسال المال إلى أهلهم في أرض الوطن، في حين ذكر 21 في المائة منهم أن هذا يعد سبباً ثانوياً بالنسبة إليهم.
بحسب تلك الدراسة، يرسل 78 في المائة من الذين يجنون دخلاً الأموال إلى أهلهم في الوطن، وهو ما يمثل في المتوسط ثلث دخلهم في أوروبا. وتشير الدراسة إلى أن متوسط دخل المهاجر غير الشرعي 1020 دولاراً شهرياً.
على الجانب الآخر كان متوسط تكلفة السفر إلى أوروبا، التي تشمل بطبيعة الحال أجر المهربين، بحسب ما قال المشاركون في الدراسة، 2710 دولارات. يشير ذلك ضمناً إلى أن من تمكنوا من العثور على مصدر دخل ثابت منتظم عند وصولهم يسددون تلك التكلفة لعائلاتهم وأصدقائهم الذين عادة ما يكونون قد ساعدوهم في جمع المال اللازم للسفر، وذلك في غضون تسعة أشهر. ويساعد ذلك الطرح الاقتصادي القوي، بعيداً عن التشجيع على الهجرة غير الشرعية، في تزويد الدول الأكثر فقراً بالحوالات المالية.
بلغت قيمة الحوالات المالية المرسلة من المهاجرين الموثقين وغير الشرعيين إلى عائلاتهم المقيمين في «الدول التي تعتمد على الحوالات المالية» حول العالم 689 مليار دولار خلال العام الماضي، وذلك بحسب الأمم المتحدة، أي أكبر بمقدار ثلاثة أمثال من المساعدة التنموية الرسمية المقدمة إلى تلك الدول والاستثمارات الأجنبية المباشرة بها مجتمعة. تستهدف المملكة المتحدة إنفاق 0.7 في المائة من إجمالي دخلها القومي على المساعدات التنموية الدولية، وأنفقت 14.5 مليار جنيه إسترليني (18.7 مليار دولار) خلال العام الماضي. استناداً إلى بيانات البنك الدولي المستقاة من التحويلات المالية الثنائية بالمملكة المتحدة لعام 2017. وأوضحت قيام المهاجرين القادمين من دول نامية والمقيمين في المملكة المتحدة بتحويل نحو 17 مليار دولار إلى أوطانهم خلال ذلك العام. وكانت حصة فيتنام من ذلك المبلغ 147 مليون دولار، وهي الدولة التي يبدو أنها موطن المهاجرين الذين تم العثور على جثثهم في تلك الشاحنة المذكورة.
بطبيعة الحال لن يكون ذلك واقعياً مثله مثل توقع أن يحدَّ التطبيق الصارم للقانون، أو شنّ حرب على مهربي البشر من الهجرة غير الشرعية. وقد أشارت دراسة أجرتها جامعة شيكاغو مؤخراً إلى أن العملية الكبرى، التي قامت بها إيطاليا بدعم من الاتحاد الأوروبي لمكافحة المهربين عام 2017، والتي تضمنت تمويل حرس السواحل الليبي، قد أدت إلى خفض رحلات الهجرة غير الشرعية إليها بمقدار 343 رحلة أسبوعياً خلال النصف الثاني من عام 2017، في وقت كان يصل إليها ما يتراوح بين 5 آلاف و12 ألف مهاجر شهرياً. وأوضحت الدراسة نفسها أن تشديد مراقبة الحدود يمكن أن يزيد عمليات التهريب نظراً لاعتماد المهاجرين على المهربين من أجل تقليل المخاطر، فمهمة المهرب هي العثور على طرق عليها قدر أقل من المقاومة، ودفع رشا إلى المسؤولين، وهو ما يجد المهاجرون صعوبة في القيام به وحدهم. ومهما كانت نظرة الحكومات الغربية إلى المهربين، سيظل عملاؤهم يعتبرونهم شرعيين، بل يرون أنهم يمدّون لهم يد العون بوازع ديني وأخلاقي، ولا يطلبون منهم المال إلا لما يتعرضون له من خطر كبير يهدد حياتهم، ومن أجل تغطية النفقات اللازمة.
ينبغي أن يتضمن الجزء المتعلق بتطبيق القانون معاقبة التهريب الفعلي، أي الذي يشمل إثقال المهاجرين بديون لا يستطيعون سدادها، وإجبارهم على القيام بوظائف ذات طبيعة استغلالية عند وصولهم. ويعد ذلك شكلا من أشكال العبودية الذي لا يمكن التسامح معه في العالم المتحضر.
إن خفض عدد المهاجرين المسموح به لن يبعدهم، بل سيؤدي إلى زيادة عمليات التهريب وحالات الوفاة. يمكن للحكومات إزاحة المهربين من خلال تقديم الخدمات نفسها إلى المهاجرين الباحثين عن عمل ولكن دون مخاطرة. يمكنهم أيضاً الحصول على رسوم مقابل إرشاد الناس إلى الوظائف الشاغرة ذات الأجور المنخفضة والتي تمكّنهم من إرسال الأموال إلى أهلهم في أوطانهم.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»