خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

حكاية الكتابة

موضوع القراءة والكتابة من المواضيع الأساسية في تاريخ الإنسان. ولهذا أجمع المؤرخون على أن التاريخ يبدأ بتعلم الكتابة واستعمالها. كل ما قبل ذلك جهالة غير موثق بنص. وقد بدأ الإنسان بتعلم واستعمال الكتابة أولاً بأول في مصر، بالكتابة الهيروغليفية (بالصور نقشاً على الحجر) وفي سومر (جنوب العراق) بالحروف المسمارية الرمزية، تمغاً على ألواح طينية. وبالنظر إلى دقة ذلك فقد شاعت الكتابة السومرية في عموم الشرق الأوسط، حيث أصبحت لغة الوثائق والمراسلات الدبلوماسية بين الدول. ويرى ذلك العالم البحاثة الأميركي، صمويل كرومر، الذي ترك لنا كتاباً موسوعياً بعنوان «التاريخ يبدأ في سومر».
ولكن كل هذه الكتابات سرعان ما انقرضت وحلت محلها الحروف العربية في المشرق والحروف اللاتينية في الغرب. والمعتقد أن الحروف العربية ظهرت أولاً في العراق، ومنه انتقلت إلى اليمن ومن اليمن إلى الحجاز وبقية البلدان العربية الأخرى. فالكتابة كانت مرتبطة بالتجارة وكان الخط التجاري يبدأ في اليمن ويمر بالحجاز وينتهي في بلاد الشام. ولهذا شاعت بين أمراء قريش. وقالت العرب إن قريشاً سميت بهذا الاسم اشتقاقاً من التقرش؛ وهو الكسب والتجارة. ومنه جاءت كلمة قرش وقروش.
ويروي ابن هشام أن حرب بن أمية بن عبد شمس كان أول من كتب العربية في قريش بعد أن تعلمها في اليمن ونقلها إلى قريش فشاعت بينهم. والمعروف أن الإسلام قد دخل وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتبون، كان منهم كل الخلفاء الراشدين - ويحسنون القراءة والكتابة. وكذا كان الأمر مع كثير من صحابة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
كان منهم أبو عبيدة الجراح ويزيد بن أبي سفيان وطلحة بن عبيد الله وأبو حذيفة بن عتبة وخاطب بن عمرو وأبو سلمة المخزومي وأبان بن العاص وأبو سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان وخالد وعبد الله العامري وحويطب العامري وجهيم بن الصلت.
والطريف أن كان بينهم أيضاً عدد من النساء كحفصة بنت عمر وأم كلثوم بنت علي والشفاء بنت عبد الله وعائشة رضي الله عنها.
بيد أن الكتابة العربية كانت تعتمد على التنقيط مما تسبب في كثير من المشاكل لا سيما بارتباط ذلك بمصاعب النحو وقواعد اللغة. بيد أن أبا الأسود الدؤلي، وهو ظالم بن عمرو، من وجوه التابعين، وضع شيئاً من قواعد النحو العربي وضبطها. ويقال إنه فعل ذلك بناء على أمر من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. وتوسع سيبويه وآخرون في عهد الدولة العباسية بما فعله أبو الأسود الدؤلي حتى أصبح النحو العربي فناً من الفنون المعقدة وميداناً لفكاهات الظرفاء ونكاتهم.
بيد أن الخط العربي سرعان ما أصبح هو بذاته مجموعة من الخطوط الزخرفية كما نجده في هذه الأيام بما يسمى الحروفية، وهي مدرسة من مدارس الفن الحديث تعتمد على مزج الحروف بالزخرفات والأشكال التجريدية. وهو من الأمور الشائعة في فنون العمارة عند كل الشعوب الإسلامية. وكان الخلفاء يعتزون بخط كتّابهم فبرز منهم من دعي بعبد الحميد بن يحيى الكاتب. وكذا الحال بالنسبة لكثير من الدول الإسلامية التي تعتز بخطاطيها في أيامنا هذه.